على نفي البعثة. (كَذلِكَ) : أي مثل إضلال الله إياكم ، أي حين لم تقبلوا من يوسف ، (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) : يعنيهم ، إذ هم المسرفون المرتابون في رسالات الأنبياء.
وجوزوا في (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) أن تكون صفة لمن ، وبدلا منه : أي معناه جمع ومبتدأ على حذف مضاف ، أي جدال الذين يجادلون ، حتى يكون الضمير في (كَبُرَ) عائدا على ذلك أولا ، أو على حذف مضاف ، والفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من قوله : (يُجادِلُونَ) ، أو ضمير يعود على من على لفظها ، على أن يكون الذين صفة ، أو بدلا أعيد أولا على لفظ من في قوله : (هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ). ثم جمع الذين على معنى من ، ثم أفرد في قوله : (كَبُرَ) على لفظ من. وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) مبتدأ وبغير (سُلْطانٍ أَتاهُمْ) خبرا ، وفاعل (كَبُرَ) قوله : (كَذلِكَ) ، أي (كَبُرَ مَقْتاً) مثل ذلك الجدال ، و (يَطْبَعُ اللهُ) كلام مستأنف ، ومن قال (كَبُرَ مَقْتاً ، عِنْدَ اللهِ) جدالهم ، فقد حذف الفاعل ، والفاعل لا يصح حذفه. انتهى ، وهذا الذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح ، فكيف في كلام الله؟ لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض ، وارتكاب مذهب الصحيح خلافه. أما تفكيك الكلام ، فالظاهر أن بغير سلطان متعلق بيجادلون ، ولا يتعقل جعله خيرا للذين ، لأنه جار ومجرور ، فيصير التقدير : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) : كائنونن ، أو مستقرون ، (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) ، أي في غير سلطان ، لأن الباء إذ ذاك ظرفية خبر عن الجثة ، وكذلك في قوله (يَطْبَعُ) أنه مستأنف فيه تفكيك الكلام ، لأن ما جاء في القرآن من (كَذلِكَ يَطْبَعُ) ، أو نطبع ، إنما جاء مربوطا بعضه ببعض ، فكذلك هنا. وأما ارتكاب مذهب الصحيح خلافه ، فجعل الكاف اسما فاعلا بكبر ، وذلك لا يجوز على مذهب البصريين إلا الأخفش ، ولم يثبت في كلام العرب ، أعني نثرها : جاءني كزيد ، تريد : مثل زيد ، فلم تثبت اسميتها ، فتكون فاعلة.
وأما قوله : ومن قال إلى آخره ، فإنّ قائل ذلك وهو الحوفي ، والظن به أنه فسر المعنى ولم يرد الإعراب. وأما تفسير الإعراب أن الفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من يجادلون ، كما قالوا : من كذب كان شرا له ، أي كان هو ، أي الكذب المفهوم من كذب. والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر ، والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون ، وهذه الصفة موجودة في فرعون وقومه ، ويكون الواعظ لهم قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب ، لحسن محاورته لهم واستجلاب قلوبهم ، وإبراز ذلك