في صورة تذكيرهم ، ولا يفجأهم بالخطاب. وفي قوله : (كَبُرَ مَقْتاً) ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم والشهادة على خروجه عن حدّ إشكاله من الكبائر. (كَذلِكَ) : أي مثل ذلك الطبع على قلوب المجادلين ، (يَطْبَعُ اللهُ) : أي يحتم بالضلالة ويحجب عن الهدى. وقرأ أبو عمرو بن ذكوان ، والأعرج ، بخلاف عنه : قلب بالتنوين ، وصف القلب بالتكبر والجبروت ، لكونه مركزهما ومنبعهما ، كما يقولون : رأت العين ، وكما قال : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، والإثم : الجملة ، وأجاز الزمخشري أن يكون على حذف المضاف ، أي على كل ذي قلب متكبر ، بجعل الصفة لصاحب القلب. انتهى ، ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف. وقرأ باقي السبعة : قلب متكبر بالإضافة ، والمضاف فيه العام عام ، فلزم عموم متكبر جبار. وقال مقاتل : المتكبر : المعاند في تعظيم أمر الله ، والجبار المسلط على خلق الله.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) ، أقوال فرعون : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) ، (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) ، (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) ، حيدة عن محاجة موسى ، ورجوع إلى أشياء لا تصح ، وذلك كله لما خامره من الجزع والخوف وعدم المقاومة ، والتعرف أن هلاكه وهلاك قومه على يد موسى ، وأن قدرته عجزت عن التأثير في موسى ، هذا على كثرة سفكه الدماء. وتقدم الكلام في الصرح في سورة القصص فأغنى عن إعادته. قال السدي : الأسباب : الطرق. وقال قتادة : الأبواب ؛ وقيل : عنى لعله يجد ، مع قربه من السماء ، سببا يتعلق به ، وما أدراك إلى شيء فهو سبب ، وأبهم أولا الأسباب ، ثم أبدل منها ما أوضحها. والإيضاح بعد الإبهام يفيد تفخيم الشيء ، إذ في الإبهام تشوق للمراد ، وتعجب من المقصود ، ثم بالتوضيح يحصل المقصود ويتعين. وقرأ الجمهور : فأطلع رفعا ، عطفا على أبلغ ، فكلاهما مترجي. وقرأ الأعرج ، وأبو حيوة ، وزيد بن علي ، والزعفراني ، وابن مقسم ، وحفص : فأطلع ، بنصب العين. وقال أبو القاسم بن جبارة ، وابن عطية : على جواب التمني. وقال الزمخشري : على جواب الترجي ، تشبيها للترجي بالتمني. انتهى. وقد فرق النحاة بين التمني والترجي ، فذكروا أن التمني يكون في الممكن والممتنع ، والترجي يكون في الممكن. وبلوغ أسباب السموات غير ممكن ، لكن فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويها على سامعيه. وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشيء أجازه الكوفيون ومنعه البصريون ، واحتج الكوفيون بهذه القراءة وبقراءة عاصم ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٣.