مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلا ببين غرابها |
كأنه قيل : بمصلحين. وقرىء : وبالسلاسل ، انتهى ، وهذا يسمى العطف على التوهم ، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها ، ونظير ذلك قول الشاعر :
أحدك لن ترى بثعيلبات |
|
ولا بيداء ناجية زمولا |
ولا متدارك والليل طفل |
|
ببعض نواشع الوادي حمولا |
التقدير : لست براء ولا متدارك. وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء ، قال : من جر السلاسل حمله على المعنى ، لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل. وقال الزجاج : من قرأ بخفض والسلاسل ، فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون. وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ، لو قلت : زيد في الدار ، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار ، ثم ذكر تأويل الفراء ، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد الله زيدا العاقلين ، بنصب العاقلين ورفعه ، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر. انتهى ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي ، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول ، وقرىء : وبالسلاسل يسحبون ، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأويل الخفض على إضمار حرف الجر ، وهو تأويل شذوذ. وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل ، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم ، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون. وقال مجاهد : (يُسْجَرُونَ) : يطرحون فيها ، فيكونون وقودا لها. وقال السدي : يسجرون : يحرقون.
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع ، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون : (ضَلُّوا عَنَّا) : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا ، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : بل لم نكن نعبد شيئا ، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئا ، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئا ، كما تقول : حسبت أن فلانا شيء ، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته ، فلم تر عنده جزاء ، وقولهم :