من غير تكلف. (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ، قال الكلبي : في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك. وقال مقاتل : اعمل لإلهك الذي أرسلك ، فإننا عاملون لآلهتنا التي نعبدها. وقال الفراء : اعمل على مقتضى دينك ، ونحن نعمل على مقتضى ديننا ، وذكر الماوردي : اعمل لآخرتك ، فإنا نعمل لدنيانا. ولما كان القلب محل المعرفة ، والسمع والبصر معينان على تحصيل المعارف ، ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها مما يلقيه الرسول شيء. واحتمل قولهم : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ، أي تكون متاركة محضة ، وأن يكون استخفافا. (قُلْ إِنَّما) ، (يُوحى إِلَيَ) ، وقرأ الجمهور : قل على الأمر ، وابن وثاب والأعمش : قال فعلا ماضي ، وهذا صدع بالتوحيد والرسالة. وقرأ النخعي والأعمش : يوحي بكسر الحاء ؛ والجمهور : بفتحها ، وأخبر أنه بشر مثلهم لا ملك ، لكنه أوحى إليه دونهم. وقال الحسن : علمه تعالى التواضع ، وأنه ما أوحى إليه توحيد الله ورفض آلهتكم. (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) : أي له بالتوحيد الذي هو رأس الدين والعمل ، (وَاسْتَغْفِرُوهُ) : واسألوه المغفرة ، إذا هي رأس العمل الذي بحصوله تزول التبعات. وضمن استقيموا معنى التوجه ، فلذلك تعدى بإلى ، أي وجهوا استقامتكم إليه ، ولما كان العقل ناطقا بأن السعادة مربوطة بأمرين : التعظيم لله والشفقة على خلقه ، ذكر أن الويل والثبور والحزن للمشركين الذين لم يعظموا الله في توحيده ، ونفى الشريك ، ولم يشفقوا على خلقه بإيصال الخير إليهم ، وأضافوا إلى ذلك إنكار البعث. والظاهر أن الزكاة على ظاهرها من زكاة الأموال ، قاله ابن السائب ، قال : كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون. وقال الحسن وقتادة : وقيل : كانت قريش تطعم الحاج وتحرم من آمن منهم. وقال الحسن وقتادة أيضا : المعنى لا يؤمنون بالزكاة ، ولا يقرون بها. وقال مجاهد والربيع : لا يزكون أعمالهم. وقال ابن عباس والجمهور : الزكاة هنا لا إله إلا الله التوحيد ، كما قال موسى عليهالسلام لفرعون : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (١) ، ويرجع هذا التأويل أن الآية من أول المكي ، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة ، قاله ابن عطية ، قال : وإنما هذه زكاة القلب والبدن ، أي تطهير من الشرك والمعاصي ، وقاله مجاهد والربيع. وقال الضحاك ومقاتل : الزكاة هنا النفقة في الطاعة. انتهى. وإذا كانت الزكاة المراد بها إخراج المال ، فإنما قرن بالكفر ، لكونها شاقة بإخراج المال الذي هو محبوب الطباع وشقيق الأرواح حثا عليها. قال بعض الأدباء :
وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ |
|
به فأجبت المال خير من الروح |
_________________
(١) سورة النازعات : ٧٩ / ١٨.