شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ، ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ).
لما بين تعالى كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا ، أردفه بكيفية عقوبة الكفار أولئك وغيرهم. وانتصب يوم باذكر. وقرأ الجمهور : (يُحْشَرُ) مبنيا للمفعول ، و (أَعْداءُ) رفعا ، وزيد بن عليّ ، ونافع ، والأعرج ، وأهل المدينة : بالنون أعداء نصبا ، وكسر الشين الأعرج ؛ وتقدم معنى (يُوزَعُونَ) في النمل ، و (حَتَّى) : غاية ليحشروا ، (أَعْداءُ اللهِ) : هم الكفار من الأولين والآخرين ، وما بعد إذا زائدة للتأكيد. وقال الزمخشري : ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ، ولا وجه لأن يخلو منها ومثله قوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) (١) : أي لا بد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به. انتهى. ولا أدري أن معنى زيادة ما بعد إذ التوكيد فيها ، ولو كان التركيب بغير ما ، كان بلا شك حصول الشرط من غير تأخر ، لأن أداة الشرط ظرف ، فالشهادة واقعة فيه لا محالة ، وفي الكلام حذف ، التقدير : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) ، أي النار ، وسئلوا عما أجرموا فأنكروا ، (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) بما اكتسبوا من الجرائم ، وكانوا حسبوا أن لا شاهد عليهم. ففي الحديث : «أن أول ما ينطق من الإنسان فخذه اليسرى ، ثم تنطق الجوارح فيقول : تبا لك ، وعنك كنت أدافع».
ولما كانت الحواس خمسة : السمع والبصر والشم والذوق واللمس ، وكان الذوق مندرجا في اللمس ، إذ بمماسة جلدة اللسان والحنك للمذوق يحصل إدراك المذوق ، وكان حسن الشم ليس فيه تكليف ولا أمر ولا نهي ، وهو ضعيف ، اقتصر من الحواس على السمع والبصر واللمس ، إذ هذه هي التي جاء فيها التكليف ، ولم يذكر حاسة الشم لأنه لا تكليف فيه ، فهذه والله أعلم حكمة الاقتصار على هذه الثلاثة. والظاهر أن الجلود هي المعروفة. وقيل : هي الجوارح كنى بها عنها. وقيل : كنى بها عن الفروج. قيل : وعليه أكثر المفسرين ، منهم ابن عباس ، كما كنى عن النكاح بالسر. (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الجرائم. ثم سألوا جلودهم عن سبب شهادتها عليهم ، فلم تذكر سببا غير أن الله تعالى أنطقها.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٥١.