المرتبة وفضلها عليه ، لأن الاستقامة لها الشأن كله ، ونحوه قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) (١) ، والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته. وعن الصديق رضياللهعنه أنه تلاها ثم قال : ما تقولون فيها؟ قالوا : لم يذنبوا ، قال : حملتم الأمر على أشده ، قالوا : فما تقول؟ قال لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. انتهى.
(تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) ، قال مجاهد والسدي : عند الموت. وقال مقاتل : عند البعث. وقيل : عند الموت ، وفي القبر ، وعند البعث. وأن ناصبة للمضارع ، أي بانتفاء خوفكم وحزنكم ، قال معناه الحوفي وأبو البقاء. وقال الزمخشري : بمعنى أي أو المخففة من الثقيلة ، وأصله بأنه لا تخافوا ، والهاء ضمير الشأن. انتهى. وعلى هذين التقديرين يكون الفعل مجزوما بلا الناهية ، وهذه آية عامة في كل هم مستأنف وتسلية تامة عن كل فائت ماض ، ولذلك قال مجاهد : لا تخافوا ما تقدرون عليه ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم. وقال عطاء بن أبي رباح : (أَلَّا تَخافُوا) رد ثوابكم ، فإنه مقبول ؛ (وَلا تَحْزَنُوا) على ذنوبكم ، فإني أغفرها لكم. وفي قراءة عبد الله : لا تخافوا ، بإسقاط أن ، أي تتنزل عليهم الملائكة قائلين : لا تخافوا ولا تحزنوا. ولما كان الخوف مما يتوقع من المكروه أعظم من الحزن على الفائت قدمه ، ثم لما وقع الأمن لهم ، بشروا بما يؤولون إليه من دخول الجنة ، فحصل لهم من الأمن التام والسرور العظيم بما سيفعلون من الخير.
(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) : الظاهر أنه من كلام الملائكة ، أي يقولون لهم. وفي قراءة عبد الله : يكون من جملة المقول قبل ، أي نحن كنا أولياءكم في الدنيا ، ونحن أولياؤكم في الآخرة. لما كان أولياء الكفار قرناؤهم من الشياطين ، كان أولياء المؤمنين الملائكة. وقال السدي : نحن حفظتكم في الدنيا ، وأولياؤكم في الآخرة. وقيل : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) من كلام الله تعالى ، أولياؤكم بالكفاية والهداية ، (وَلَكُمْ فِيها) : الضمير عائد على الآخرة ، قاله ابن عطية. وقال الحوفي : على الجنة ، (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من الملاذ ، (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ). قال مقاتل : ما تتمنون. وقيل : ما تريدون. وقال ابن عيسى : ما تدعي أنه لك ، فهو لك بحكم ربك. قال ابن عطية : ما تطلبون. (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) النزل : الرزق المقدم للنزيل وهو الضيف ، قال معناه ابن عطاء ، فيكون نزلا حالا ، أي تعطون ذلك في حال كونه نزولا لا نزلا ، وجعله بعضهم مصدرا لأنزل. وقيل نزل جمع نازل ، كشارف
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٥.