وشرف ، فينتصب على الحال ، أي نازلين ، وذو الحال الضمير المرفوع في يدعون. وقال الحسن : معنى نزلا منا ، وقيل : ثوابا. وقرأ أبو حيوة : نزلا بإسكان الزاي.
ولما تقدم قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) ، ذكر من دعا إلى ذلك فقال : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) : أي لا أحد أحسن قولا ممن يدعو إلى توحيد الله ، ويعمل العمل الصالح ، ويصرح أنه من المستسلمين لأمر الله المنقادين له ، والظاهر العموم في كل داع إلى الله ، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة. وقيل بالخصوص ، فقال ابن عباس : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، دعا إلى الإسلام ، وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه ، وجعل الإسلام نحلة. وعنه أيضا : هم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقالت عائشة ، وقيس بن أبي حازم ، وعكرمة ، ومجاهد : نزلت في المؤذنين ، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية ، وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف. ولم يكن الأذان بمكة ، إنما شرع بالمدينة ، والدعاء إلى الله يكون بالدعاء إلى الإسلام وبجهاد الكفار وكف الظلمة. وقال زيد بن علي : دعا إلى الله بالسيف ، وهذا ، والله أعلم ، هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية. وكان زيد هذا عالما بكتاب الله ، وقد وقفت على جملة من تفسيره كتاب الله وإلقائه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك ، وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر ، يقال : إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم ، رحمهماالله ورضي عنهما. وقال أبو العالية : (وَعَمِلَ صالِحاً) : صلى بين الأذان والإقامة. وقال عكرمة : صلى وصام. وقال الكلبي : أدّى الفرائض. وقال مجاهد : هي عامة في كل من جمع بين هذه الثلاثة أن يكون موحدا معتقدا لدين الإسلام ، عاملا بالخير داعيا إليه ، ومآلهم إلى طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد الدعاة إلى دين الإسلام. انتهى ، ويعني بذلك المعتزلة ، يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد ، ويوجد ذلك في أشعارهم ، كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي ، صاحب كتاب (الفلك الدائر في الرد على كتاب المثل السائر) ، قال من كلامه : أنشدنا عنه الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمهالله تعالى :
لولا ثلاث لم أخف صرعتي |
|
ليست كما قال فتى العبد |
أن أنصر التوحيد والعدل في |
|
كل مقام باذلا جهدي |
وأن أناجي الله مستمتعا |
|
بخلوة أحلى من الشهد |