وأن أصول الدهر كبرا على |
|
كل لئيم أصعر |
الخد لذاك أهوى لا فتاة ولا |
|
خمر ولا ذي ميعة نهد |
(وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : ليس المعنى أنه تكلم بهذا ، بل جعل الإسلام معتقده. كما تقول : هذا قول الشافعي ، أي مذهبه. وقرأ ابن أبي عبلة ، وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال : وقال إني ، بنون مشددة واحدة ؛ والجمهور : إنني بها وبنون الوقاية. وقال أبو بكر بن العربي : لم يشترط إلا إن شاء الله ، ففيه رد على من يقول : أنا مسلم إن شاء الله. ولما ذكر تعالى أنه لا أحد أحسن ممن دعا إلى الله ، ذكر ما يترتب على ذلك من حسن الأخلاق ، وأن الداعي إلى الله قد يجافيه المدعو ، فينبغي أن يرفق به ويتلطف في إيصال الخير فيه. قيل : ونزلت في أبي سفيان بن حرب ، وكان عدوّا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فصار وليا مصافيا. وقال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا الله ، والسيئة الشرك. وقال الكلبي : الدعوتان إليهما. وقال الضحاك : الحلم والفحش. وعن علي : حب الرسول وآله وبغضهم. وقيل : الصبر والنفور. وقيل : المداراة والغلظة. وقيل : العفو والاقتصاد ، وهذه أمثلة للحسنة والسيئة ، لا على طريق الحصر.
ولما تفاوتت الحسنة والسيئة ، أمر أن يدفع السيئة بالأحسن ، وذلك مبالغة ، ولم يقل : ادفع بالحسنة السيئة ، لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالحسن ، أي وإذا فعلت ذلك ، (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) صار لك كالولي : الصديق الخالص الصداقة ، ولا في قوله : (وَلَا السَّيِّئَةُ) زائدة للتوكيد ، كهي في قوله : (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) (١) ، لأن استوى لا يكتفي بمفرد ، فإن إحدى الحسنة والسيئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا ، إذ يصير المعنى : ولا تستوي الحسنات ، إذ هي متفاوتات في أنفسها ، ولا السيئات لتفاوتها أيضا. قال ابن عطية : دخلت كأن للتشبيه ، لأن الذي عنده عداوة لا يعود وليا حميما ، وإنما يحسن ظاهره ، فيشبه بذلك الولي الحميم ، وعن ابن عباس : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة. وقال مجاهد ، وعطاء : السلام عند اللقاء. انتهى ، أي هو مبدأ الدفع بالأحسن ، لأنه محصور فيه. وعن مجاهد أيضا : أعرض عن أذاهم. وقال أبو فراس الحمداني :
يجني عليّ وأجنو صافحا أبدا |
|
لا شيء أحسن من جان على جان |
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢١.