(وَما يُلَقَّاها) : الضمير عائد على الفعلة والسجية التي هي الدفع بالأحسن. وقرأ طلحة بن مصرف ، وابن كثير في رواية : وما يلاقاها : من الملاقاة. وقرأ الجمهور : من التلقي ، وكأن هذه الخصلة الشريفة غائبة ، فما يصادفها ويلقيها الله إلا لمن كان صابرا على الطاعات ، صارفا عن الشهوات ، ذا حظ عظيم من خصال الخير ، قاله ابن عباس ، فيكون مدحا ؛ أو (ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من ثواب الآخرة ، قاله قتادة ، فيكون وعدا. وقيل : إلا ذو عقل. وقيل : ذو خلق حسن ، وكرر (وَما يُلَقَّاها) تأكيدا لهذه الفعلة الجميلة الجليلة. وقيل : الضمير في يلقاها عائد على الجنة. وحكى مكي : (وَما يُلَقَّاها) : أي شهادة أن لا إله إلا الله ، وفيه بعد.
ولما أمر تعالى بدفع السيئة بالأحسن ، كان قد يعرض للمسلم في بعض الأوقات مقابلة من أساء بالسيئة ، فأمره ، إن عرض له ذلك ، أن يستعيذ بالله ، فإن ذلك من نزغ الشيطان ، وتقدم تفسير نظير هذه الآية في أواخر الأعراف.
ولما بين تعالى أن أحسن الأعمال والأقوال هو نظير هذه الآية الدعوة إلى الله ، أردفه بذكر الدلائل العلوية والسفلية ، وعلى قدرته الباهرة وحكمته البالغة وحجته القاطعة ، فبدأ بذكر الفلكيات بالليل والنهار ، وقدم ذكر الليل ، قيل تنبيها على أن الظلمة عدم والنور وجود ، وناسب ذكر الشمس بعد النهار ، لأنها سبب لتنويره ويظهر العالم فيه ، ولأنها أبلغ في التنوير من القمر ، ولأن القمر فيما يقولون مستفاد نوره من نور الشمس. ثم نهى تعالى عن السجود لهما ، وأمر بالسجود للخالق تعالى. وكان ناس يعبدون الشمس ، كما جاء في قصة بلقيس وقومها. والضمير في (خَلَقَهُنَ) عائد على الليل والنهار والشمس والقمر. قال الزمخشري : لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى ، أي الإناث ، يقال : الأقلام بريتها وبريتهن. انتهى ، يريد ما لا يعقل من الذكر ، وكان ينبغي أن يفرق بين جمع القلة من ذلك ، فإن الأفصح أن يكون كضمير الواحدة ، تقول : الأجذاع انكسرت على الأفصح ، والجذوع انكسرن على الأفصح.
والذي تقدّم في الآية ليس بجمع قلة ، أعني بلفظ واحد ، ولكنه ذكر أربعة متعاطفة ، فتنزلت منزلة الجمع المعبر عنها بلفظ واحد. وقال الزمخشري : ولما قال : (وَمِنْ آياتِهِ) ، كن في معنى الآيات ، فقيل : (خَلَقَهُنَ). انتهى ، يعني أن التقدير والليل والنهار والشمس والقمر آيات من آياته ، فعاد الضمير على آيات الجمع المقدر في المجرور. وقيل : يعود على الآيات المتقدم ذكرها. وقيل : على الشمس والقمر ، والاثنان جمع ، وجمع ما