وتقريع. والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير الله ، فيندرج فيه عباد الأوثان. (قالُوا آذَنَّاكَ) : أي أعلمناك ، قال الشاعر :
آذنتنا ببينها أسماء |
|
رب ثاو يملّ منه الثواء |
وقال ابن عباس : أسمعناك ، كأنه استبعد الإعلام لله ، لأن أهل القيامة يعلمون أن الله يعلم الأشياء علما واجبا ، فالإعلام في حقه محال. والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين ، لأنهم المحدث معهم. (ما مِنَّا) أحد اليوم ، وقد أبصرنا وسمعنا. يشهد أن لك شريكا ، بل نحن موحدون لك ، وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم ، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ. وقيل : الضمير في قالوا عائد على الشركاء ، أي قالت الشركاء : (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) بما أضافوا إلينا من الشرك ، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام. والجملة من قوله : (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) في موضع المفعول. وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه ، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب. والظاهر أن قولهم : (آذَنَّاكَ) إنشاء ، كقولك : أقسمت لأضربن زيدا ، وإن كان إخبارا سابقا ، فتكون إعادة السؤال توبيخا لهم. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) : أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة ، أو (وَضَلَّ عَنْهُمْ) : أي تلفت أصنامهم وتلاشت ، فلم يجدوا منها نصرا ولا شفاعة ، (وَظَنُّوا) : أي أيقنوا. قال السدي : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) : أي من حيدة ورواغ من العذاب. والظاهر أن ظنوا معلقة ، والجملة المنفية في موضع مفعولي ظنوا. وقيل : تم الكلام عند قوله : (وَظَنُّوا) ، أي وترجح عندهم أن قولهم : (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) منجاة لهم ، أو أمر يموهون به. والجملة بعد ذلك مستأنفة ، أي يكون لهم منجا ، أو موضع روغان.
(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) : هذه الآيات نزلت في كفار ، قيل : في الوليد بن المغيرة ؛ وقيل : في عتبة بن ربيعة ، وكثير من المسلمين يتصفون بوصف أولها من دعاء الخير ، أي من طلب السعة والنعمة ودعاء مصدر مضاف للمفعول. وقرأ عبد الله : من دعاء بالخير ، بباء داخلة على الخير ، وفاعل المصدر محذوف تقديره : من دعاء للخير ، وهو وإن مسه الشر ، أي الفقر والضيق ، (فَيَؤُسٌ) : أي فهو يؤوس قنوط ، وأتى بهما صيغتي مبالغة. واليأس من صفة القلب ، وهو أن يقطع رجاءه من الخير ؛ والقنوط : أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر. وبدأ بصيغة القلب لأنها هي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من الانكسار. (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا) : سمى النعمة رحمة ، إذ هي من آثار رحمة الله.