(مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) : أي بسعيي واجتهادي ، ولا يراها أنها من الله ، أو هذا لي لا يزول عني. (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) : أي ظننا أننا لا نبعث ، وأن ما جاءت به الرسل من ذلك ليس بواقع ، كما قال تعالى حكاية عنهم : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (١).
(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) : ولئن كان كما أخبرت الرسل ، (إِنَّ لِي عِنْدَهُ) : أي عند الله ، (لَلْحُسْنى) : أي الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة ، كما أنعم عليّ في الدنيا ، وأكدوا ذلك باليمين وبتقديم لي عنده على اسم إن ، وتدخل لام التأكيد عليه أيضا ، وبصيغة الحسنى يؤنث الأحسن الذي هو أفعل التفضيل. ولم يقولوا للحسنة ، أي الحالة الحسنة. وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ، رضياللهعنهم : للكافر أمنيتان ، أما في الدنيا فهذه (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) ، وأما في الآخرة ف (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً). (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) من الأفعال السيئة ، وذلك كناية عن جزائهم بأعمالهم السيئة. (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) في مقابلة (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى). وكنى بغليظ : العذاب عن شدته. (وَإِذا أَنْعَمْنا) : تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في (سُبْحانَ*) (٢) ، إلا أن في أواخر تلك كان يؤوسا ، وآخر هذه (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) : أي فهو ذو دعاء بإزالة الشر عنه وكشف ضره. والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة. يقال : أطال فلان في الظلم ، وأعرض في الدعاء إذا كثر ، أي فذو تضرع واستغاثة. وذكر تعالى في هذه الآية نوعا من طغيان الإنسان ، إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة ، وإذا مسه الشر ابتهل إلى الله وتضرع.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) : أي القرآن ، (مِنْ عِنْدِ اللهِ) : أبرزه في صورة الاحتمال ، وهو من عند الله بلا شك ، ولكنه تنزل معهم في الخطاب. والضمير في (أَرَأَيْتُمْ) لكفار قريش. وتقدم أن معنى أرأيتم : أخبروني عن حالكم إن كان هذا القرآن من عند الله ، وكفرتم به وشاققتم في اتباعه. من أضل منكم ، إذ أنتم المشاقون فيه والمعرضون عنه والمستهزءون بآيات الله. وتقدم أن أرأيتم هذه تتعدى إلى مفعول مذكور ، أو محذوف ، وإلى ثان الغالب فيه أن يكون جملة استفهامية. فالمفعول الأول محذوف تقديره : أرأيتم أنفسكم ، والثاني هو جملة الاستفهام ، إذ معناه : من أضل منكم أيها الكفار ، إذ مآلكم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
__________________
(١) سورة الجاثية : ٤٥ / ٣٢.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٨٠.