للانتقال من كلام إلى كلام ، والهمزة للإنكار عليهم اتخاذ أولياء من دون الله. وقيل : أم بمعنى الهمزة فقط ، وتقدّم الكلام على مثل هذا ، حيث جاءت أم المنقطعة ، والمعنى : اتخذوا أولياء دون الله ، وليسوا بأولياء حقيقة ، فالله هو الولي ، والذي يجب أن يتولى وحده ، لا ما لا يضر ولا ينفع من أوليائهم. ولما أخبر أنه هو الولي ، عطف عليه هذا الفعل الغريب الذي لا يقدر عليه غيره ، وهو إحياء الموتى. ولما ذكر هذا الوصف ، ذكر قدرته على كل شيء تتعلق إرادته به. وقال الزمخشري : في قوله : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) ، والفاء في قوله : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) جواب شرط مقدر ، كأنه قيل : بعد إنكار كل ولي سواه ، وإن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الولي بالحق ، لا ولي سواه. انتهى. ولا حاجة إلى تقدير شرط محذوف ، والكلام يتم بدونه.
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) : هذا حكاية لقول الرسول ، أي ما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب أو تصديق وإيمان وكفر وغير ذلك ، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليس ذلك إلا إلى الله ، لا إليّ ، ولفظة من شيء تدل على العموم. وقيل : من شيء من الخصومات ، فتحاكموا فيه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره ، كقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١). وقيل : (مِنْ شَيْءٍ) : من تأويل آية واشتبه عليكم ، فارجعوا في بيانه إلى آي المحكم من كتاب الله ، والظاهر من سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : ما وقع منكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ، ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا : الله أعلم ، كمعرفة الروح. وقال الزمخشري : أي ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين ، فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى الله ، وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاتبة المبطلين. (ذلِكُمُ) : الحاكم بينكم هو (رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في رد كيد أعداء الدين ، وإليه أرجع في كفاية شرهم. انتهى. وقرأ الجمهور : (فاطِرُ) بالرفع ، أي هو فاطر ، أو خبر بعد خبر كقوله : (ذلِكُمُ). وقرأ زيد بن عليّ : فاطر بالجر ، صفة لقوله : (إِلَى اللهِ) ، والجملة بعدها اعتراض بين الصفة والموصوف.
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : أي من جنس أنفسكم ، أي آدميات ، (أَزْواجاً) : إناثا ، أو جعل الخلق لأبينا آدم من ضلعه حواء زوجا له خلقا لنا ، (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.