أي أنواعا كثيرة ، ذكورا وإناثا ، أو أزواجا إناثا. (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) ، قال ابن عباس : أي يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها. وقال ابن زيد : يرزقكم فيه ، وهو قريب من القول قبله. وقال مجاهد : يخلقكم في بطون الإناث. وقال ابن زيد أيضا : يذرأكم فيما خلق من السموات والأرض. وقال الزجاج : يكثركم به ، أي فيه ، أي يكثركم في خلقكم أزواجا. وقال عليّ بن سليمان : ينقلكم من حال إلى حال. وقال ابن عطية : الضمير في فيه للجعل ، أي يخلقكم ويكثركم في الجعل ، كما تقول : كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه ، قال : ولفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق ، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.
وقال الزمخشري : (يَذْرَؤُكُمْ) : يكثركم ، يقال ذرأ الله الخلق : بثهم وكثرهم ، والذرء والذروء والذرواء أخوات في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل. والضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على الغير مما لا يعقل ، وهي من الأحكام ذات العلتين. انتهى. وقوله : وهي من الأحكام ذات العلتين ، اصطلاح غريب ، ويعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا فتقول : أنت وزيد تقومان ؛ والعاقل يغلب على غير العاقل إذا اجتمعا ، فتقول : الحيوان وغيرهم يسبحون خالقهم. قال الزمخشري ؛ فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير؟ وهلا قيل : يذرؤكم به؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير؟ كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١) انتهى. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، تقول العرب : مثلك لا يفعل كذا ، يريدون به المخاطب ، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص ، وهو من باب المبالغة ، ومثل الآية قول أوس بن حجر :
ليس كمثل الفتى زهير |
|
خلق يوازيه في الفضائل |
وقال آخر :
وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر
وقال آخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم |
|
ما إن كمثلهم في الناس من أحد |
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٩.