أن يختم على قبلك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك؟ فمقصد اللفظ هذا المعنى ، وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا. انتهى. هكذا أورد هذا التأويل عن قتادة ابن عطية ، وفي الفاظة فظاظة لا تليق أن تنسب للأنبياء. وقال الزمخشري : عن قتادة : ينسيك القرآن وينقطع عنك الوحي ، يعني لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك. انتهى. وقال الزمخشري أيضا : فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب ، فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم ، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا أن يخون بعض الأمناء فيقول : لعل الله خذلني ، لعل الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب ، وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله ، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم.
ثم قال : ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه أو بقضائه لقوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) (١) ، يعني : لو كان مفتريا ، كما يزعمون ، لكشف الله افتراءه ومحقه ، وقذف بالحق على الباطل فدمغه. انتهى. وقيل : المعنى لو افتريت على الله ، لطبع على قلبك حتى لا تقدر على حفظ القرآن. وقيل : لختم على قلبك بالصدق واليقين ، وقد فعل ذلك. وذكر القشيري أن المعنى : يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم ويعاجلهم بالعذاب. انتهى ، فيكون التفاتا من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الجمع إلى الإفراد ، أي يختم على قلبك أيها القائل أنه افترى على الله كذبا. (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) : استئناف إخبار ، أي يمحوه. إما في الدنيا وإما في الآخرة حيث نازله. وكتب ويمح بغير واو ، كما كتبوا سندع بغير واو ، اعتبارا بعدم ظهورها ، لأنه لا يوقف عليها وقف اختيار. ولما سقطت من اللفظ سقطت من الخط. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون عدة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بأن يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مرد له من نصرتك عليهم. إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم ، فيجري الأمر على حسب ذلك. انتهى. قيل : ويحق الإسلام بكلماته ، أي بما أنزل من القرآن.
وتقدم الكلام في شرائط التوبة ، يقال : قبلت منه الشيء بمعنى : أخذته منه ، لقوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) (٢) ، أي تؤخذ ، أي جعلته مبدأ قبولي ومنشأه ، وقبلته
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٨.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٥٤.