عنه : عزلته عنه وأبنته ، فمعنى (عَنْ عِبادِهِ) : أي يزيل الرجوع عن المعاصي. (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ، قال الزمخشري : عن السيئات إذا تيب عنها ، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر. انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. إن الاعتزال. إن الكبائر لا يعفى عنها إلا بالتوبة ، (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ، فيثيب ويعاقب. وقرأ الجمهور : ما يفعلون بياء الغيبة ؛ وعبد الله ، وعلقمة ، والإخوان ، وحفص : بتاء الخطاب. والظاهر أن الذين فاعل ، (وَيَسْتَجِيبُ) : أي ويجيب ، (الَّذِينَ آمَنُوا) لربهم ، كما قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (١) ، فيكون يستجيب بمعنى يجيب ، أو يبقى على بابه من الطلب ، أي يستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة. وقال سعيد بن جبير : هذا في فعلهم إذا دعاهم. وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل : ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال : لأنه دعاكم فلم تجيبوه ، ثم قرأ : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٢).
(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، قال الزجاج : الذين مفعول ، واستجاب وأجاب بمعنى واحد ، فالمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا ، أي للذين ، كما قال :
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : لم يجبه. وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل وابن عباس. (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) : أي على الثواب تفضلا. وفي الحديث : «قبول الشفاعات في المؤمنين والرضوان». وقال خباب بن الأرت : نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها ، فنزلت : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ). وقال عمرو بن حريث : طلب قوم من أهل الصفة من الرسول عليهالسلام أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق ، فنزلت. أعلم أن الرزق لو جاء على اقتراح البشر ، لكان سبب بغيهم وإفسادهم ، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة. فرب إنسان لا يصلح ولا يكتفي شره إلا بالفقر ، وآخر بالغنى. وفي هذا المعنى والتقسيم حديث رواه أنس وقال : «اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى ، فلا تفقرني». ولبغوا ، إما من البذخ والكبر ، أي لتكبروا في الأرض ، ففعلوا ما يتبع الكبر مع الغنى. ألا ترى إلى حال قارون؟ وفي الحديث : «أخوف ما يخاف على أمتي زهرة الدنيا» ، وقال الشاعر :
وقد جعلوا الوسمي ينبت بيننا |
|
وبين بني رومان نبعا وشوحطا |
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٢٤.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٢٥.