يعني : أنهم أحبوا ، فجذبوا أنفسهم بالبغي والفتن. (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) ، يقال : قدر بالسكون وبالفتح ، أي : يقدر لهم ما هو أصلح لهم. وقرأ الجمهور : (قَنَطُوا) ، بفتح النون ؛ والأعمش ، وابن وثاب : بكسرها ، (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) : يظهرها من آثار الغيث من المنافع والخصب ، والظاهر أن رحمته نشرها أعم مما في الغيث. وقال السدي : رحمته : الغيث ، وعدد النعمة بعينها بلفظين. وقيل : الرحمة هنا ظهور الشمس ، لأن إذا دام المطر سئم ، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ، ذكره المهدوي. (وَهُوَ الْوَلِيُ) : الذي يتولى عباده ، (الْحَمِيدُ) : المحمود على ما أسدى من نعمائه وما بث. الظاهر أنه مجرور عطفا على السموات والأرض. ويجوز أن يكون مرفوعا ، عطفا على خلق ، على حذف مضاف ، أي وخلق ما بث. وفيهما يجوز أن يكون مما نسب فيه دابة إلى المجموع المذكور ، وإن كان ملتبسا ببعضه. كما يقال : بنو فلان صنعوا كذا ، وإنما صنعه واحد منهم ، ومنه يخرج منهما ، وإنما يخرج من الملح ، أو يكون من الملائكة. بعض يمشي مع الطيران ، فيوصف بالدبيب كما يوصف به الأناسي ، أو يكون قد خلق في السموات حيوانا يمشي مع مشي الأناسي على الأرض ، أو يريد الحيوان الذي يكون في السحاب. وقد يقع أحيانا ، كالضفادع والسحاب داخل في اسم السماء.
وقال مجاهد : (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) : هم الناس والملائكة. وقال أبو علي : هو على حذف مضاف ، أي وما بث في أحدهما. وقرأ الجمهور : فيهما بالفاء ، وكذا هي في معظم المصاحف. واحتمل ما أن تكون شرطية ، وهو الأظهر ، وأن تكون موصولة ، والفاء تدخل في خبر الموصول إذا أجري مجرى الشرط بشرائط ذكرت في النحو ، وهي موجودة. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر في رواية ، وشيبة : بما بغير فاء ، فما موصولة ، ولا يجوز أن تكون شرطية ؛ وحذفت الفاء لأن ذلك مما يخصه سيبويه بالشعر ، وأجاز ذلك الأخفش وبعض نحاة بغداد وذلك على إرادة الفاء. وترتب ما أصاب من المصائب على كسب الأيدي موجود مع الفاء ودونها هنا ، والمصيبة : الرزايا والمصائب في الدنيا ، وهي مجازاة على ذنوب المرء وتمحيص لخطاياه ، وأنه تعالى يعفو عن كثير ، ولا يجازي عليه بمصيبة. وفي الحديث : «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر». وسئل عمران بن حصين عن مرضه فقال : إن أحبه إليّ أحبه إلى الله ، وهذا مما كسبت يداي. ورؤي على كف شريح قرحة ، فقيل : بم هذا؟ فقال : بما كسبت يداي.
وقال الزمخشري : الآية مخصوصة بالمجرمين ، ولا يمتنع أن يستوفي الله عقاب