وقيل : الذكر : الدعاء إلى الله والتخويف من عقابه. قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكارا؟ لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وخلقه قرآنا عربيا لتعقلوه وتعملوا بموجبه. انتهى. وتقدم الكلام معه في تقديره فعلا بين الهمزة والفاء في نحو : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا*) (١)؟ (أَفَلا تَعْقِلُونَ*) (٢)؟ وبينها وبين الواو في نحو : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا*) (٣)؟ كما وأن المذهب الصحيح قول سيبويه والنحويين : أن الفاء والواو منوي بهما التقديم لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، وأن الهمزة تقدمت لكون الاستفهام له صدر الكلام ، ولا خلاف بين الهمزة والحرف ، وقد رددنا عليه قوله : وقال ابن عباس ومجاهد : المعنى : أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم عفوا عن إجرامكم؟ أن كنتم أو من أجل أن كنتم قوما مسرفين؟ أي هذا لا يصلح. ونحا قتادة إلى أن المعنى صفحا ، أي معفوا عنه ، أي نتركه. ثم لا تؤاخذون بقوله ولا بتدبره ، ولا تنبهون عليه. وهذا المعنى نظير قول الشاعر :
ثم الصبا صفحا بساكن ذي الفضا |
|
وبصدع قلبي أن يهب هبوبها |
وقول كثير :
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة |
|
فمن مل منها ذلك الوصل ملت |
وقال ابن عباس : المعنى : أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به؟ وقال الكلبي : أن نترككم هملا بلا أمر ولا نهي؟ وقال مجاهد أيضا : أن لا نعاقبكم بالتكذيب؟ وقيل : أن نترك الإنزال للقرآن من أجل تكذيبكم؟ وقرأ حسان بن عبد الرحمن الضبغي ، والسميط بن عمير ، وشميل بن عذرة : بضم الصاد ، والجمهور : بفتحها ، وهما لغتان ، كالسد والسد. وانتصاب صفحا على أنه مصدر من معنى أفنضرب ، لأن معناه : أفنصفح؟ أو مصدر في موضع الحال ، أي صافحين ، قالهما الحوفي ، وتبعه أبو البقاء. وقال الزمخشري : وصفحا على وجهين : إما مصدر من صفح عنه ، إذا أعرض منتصبا على أنه مفعول له على معنى : أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضا عنكم؟ وإما بمعنى الجانب من قولهم : نظر إليه بصفح وجهه. وصفح وجهه على معنى : أفننحيه عنكم جانبا؟ فينصب على الظرف ، كما تقول : ضعه جانبا ، وامش جانبا. وتعضده قراءة من قرأ صفحا بالضم. وفي هذه القراءة وجه آخر ، وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح ،
__________________
(١) سورة غافر ٤٠ / ٨٢.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٣٨.
(٣) سورة الروم : ٣٠ / ٩.