وينتصب على الحال ، أي صافحين معرضين. وقال ابن عطية : صفحا ، انتصابه كانتصاب صنع الله. انتهى. يعني أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، فيكون العامل فيه محذوفا ، ولا يظهر هذا الذي قاله ، فليس انتصابه انتصاب صنع الله. وقرأ نافع والإخوان : بكسر الهمزة ، وإسرافهم كان متحققا. فكيف دخلت عليه إن الشرطية التي لا تدخل إلا على غير المتحقق ، أو على المتحقق الذي أنبهم زمانه؟ قال الزمخشري : هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته ، كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي ، وهو عالم بذلك ، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق ، مع وضوحه ، استجهالا له. وقرأ الجمهور : أن بفتح الهمزة ، أي من أجل أن كنتم. قال الشاعر :
أتجزع أن بان الخيط المودع
وقرأ زيد بن علي : إذ كنتم ، بذال مكان النون ، لما ذكر خطابا لقريش ، (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)؟ وكان هذا الإنكار دليلا على تكذيبهم للرسول ، وإنكارا لما جاء به. آنسه تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة من استهزائهم بالرسل ، وأنه تعالى أهلك من كان أشد بطشا من قريش ، أي أكثر عددا وعددا وجلدا. (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) : أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولين مكذبي الرسل من العقوبة. قال معناه قتادة : وهي العقوبة التي سارت سير المثل ، وقيل : مثل الأولين في الكفر والتكذيب ، وقريش سلكت مسلكها ، وكان مقبلا عليهم بالخطاب في قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ)؟ فأعرض عنهم إلى إخبار الغائب في قوله : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً).
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) : احتجاج على قريش بما يوجب التناقض ، وهو إقرارهم بأن موجد العالم العلوي والسفلي هو الله ، ثم هم يتخذون أصناما آلهة من دون الله يعبدونهم ويعظمونهم. قال ابن عطية : ومقتضى الجواب أن يقولوا خلقهن الله ، فلما ذكر تعالى المعنى ، جاءت العبارة عن الله تعالى بالعزيز العليم ، ليكون ذلك توطئة لما عدد من أوصافه الذي ابتدأ الإخبار بها ، وقطعها من الكلام الذي حكي معناه عن قريش. انتهى. وقال الزمخشري : لينسبن خلقها إلى الذي هذه أوصافه ، وليسندنه إليه. انتهى. والظاهر أن : (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) نفس المحكي من كلامهم ، ولا يدل كونهم ذكروا في مكان خلقهن الله ، أن لا يقولوا في سؤال آخر. (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).