(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) : الضمير للملائكة. قال قتادة ومقاتل : في آخرين. وقال مجاهد : الأوثان علقوا انتفاء العبادة على المشيئة ، لكن العبادة وجدت لما انتفت المشيئة ، فالمعنى : أنه شاء العبادة ، ووقع ما شاء ، وقد جعلوا إمهال الله لهم وإحسانه إليهم ، وهم يعبدون غيره ، دليلا على أنه يرضى ذلك دينا. وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة في أواخر الأنعام ، وفي الكلام حذف ، أي فنحن لا نؤاخذ بذلك ، إذ هو وفق مشيئة الله ، ولهذا قال : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) ، أي بما ترتب على عبادتهم من العقاب ، (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) : أي يكذبون. وقيل : الإشارة بذلك إلى ادعائهم أن الملائكة إناث. وقال الزمخشري : هما كفرتان مضمومتان إلى الكفرات الثلاث ، وهم : عبادتهم الملائكة من دون الله ، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئته ، كما يقول إخوانهم المجبرة. انتهى. جعل أهل السنة أخوات للكفرة عباد الملائكة ، ثم أورد سؤالا وجوابا جاريا على ما اختاره من مذهب الاعتزال ، يوقف على ذلك في كتابه ، ولما نفى عنهم ، علم ترك عقابهم على عبادة غير الله ، أي ليس يدل على ذلك عقل. نفى أيضا أن يدل على ذلك سمع ، فقال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) من قبل نزول القرآن ، أو من قبل إنذار الرسل ، يدل على تجويز عبادتهم غير الله ، وأنه لا يترتب على ذلك. ثم أخبر تعالى أنهم في ذلك مقلدون لآبائهم ، ولا دليل لهم من عقل ولا نقل. ومعنى : (عَلى أُمَّةٍ) : أي طريقة ودين وعادة ، فقد سلكنا مسلكهم ، ونحن مهتدون في اتباع آثارهم ؛ ومنه قول قيس بن الحطيم :
كنا على أمّة آبائنا |
|
ويقتدي بالأول الآخر |
وقرأ الجمهور : أمّة ، بضم الهمزة. وقال مجاهد ، وقطرب : على ملة. وقال الجوهري : والأمّة : الطريقة ، والذي يقال : فلان لا أمّة له : أي لا دين ولا نحلة. قال الشاعر :
وهل يستوي ذو أمّة وكفور
وتقدّم الكلام في أمّة في قوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (١). وقرأ عمر بن عبد العزيز ، ومجاهد ، وقتادة ، والجحدري : بكسر الهمزة ، وهي الطريقة الحسنة لغة في الأمّة بالضم ، قاله الجوهري. وقرأ ابن عباس : أمّة ، بفتح الهمزة ، أي على قصد وحال ، والخلاف في الحرف الثاني كهو في الأول. وحكى مقاتل : إن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، وأبي
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤٥.