شركة في خلق السموات؟ أم معهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه؟ فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب ، أو يكون الضمير في (آتَيْناهُمْ) للمشركين لقوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) (١) ، (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) (٢).
(بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ) : وهم الرؤساء ، (بَعْضاً) : وهم الأتباع ، (إِلَّا غُرُوراً) وهو قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (٣). انتهى. أما قوله : (أَرُونِي) بدل من (أَرَأَيْتُمْ) فلا يصح ، لأنه إذا أبدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل ، وأيضا فإبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ، ثم البدل على نية تكرار العامل ، ولا يتأتى ذلك هنا ، لأنه لا عامل في أرأيتم فيتخيل دخوله على أروني. وقد تكلمنا في الأنعام على أرأيتم كلاما شافيا. والذي أذهب إليه أن أرأيتم بمعنى أخبرني ، وهي تطلب مفعولين : أحدهما منصوب ، والآخر مشتمل على استفهام. تقول العرب : أرأيت زيدا ما صنع؟ فالأول هنا هو (شُرَكاءَكُمُ) ، والثاني (ما ذا خَلَقُوا) ، وأروني جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد. ويحتمل أن يكون ذلك أيضا من باب الإعمال ، لأنه توارد على ماذا خلقوا ، أرأيتم وأروني ، لأن أروني قد تعلق على مفعولها في قولهم : أما ترى ، أي ترى هاهنا ، ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين. وقيل : يحتمل أن يكون أرأيتم استفهاما حقيقيا ، وأروني أمر تعجيز للتبيين ، أي أعملتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز ، أو تتوهمون فيها قدرة؟ فإن كنتم تعلمونها عاجزة ، فكيف تعبدونها؟ أو توهمتم لها قدرة ، فأروني قدرتها في أي شيء هي ، أهي في الأرض؟ كما قال بعضهم : إن الله إله في السماء ، وهؤلاء آلهة في الأرض. قالوا : وفيها من الكواكب والأصنام صورها ، أم في السموات؟ كما قال بعضهم : إن السماء خلقت باستعانة الملائكة ، فالملائكة شركاء في خلقها ، وهذه الأصنام صورها ، أم قدرتها في الشفاعة لكم؟ كما قال بعضهم : إن الملائكة ما خلقوا شيئا ، ولكنهم مقربون عند الله ، فنعبدهم لتشفع لنا ، فهل معهم من الله كتاب فيه إذنه لهم بالشفاعة؟ انتهى. وأضاف الشركاء إليهم من حيث هم جعلوهم شركاء لله ، أي ليس للأصنام شركة بوجه إلا بقولهم وجعلهم ، قيل : ويحتمل شركاءكم في النار لقوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٤). والظاهر أن الضمير في (آتَيْناهُمْ) عائد على الشركاء ، لتناسب الضمائر ، أي هل مع
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٣٥.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ٢١.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ١٨.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.