ما جعل شركاء لله كتاب من الله فيه إن له شفاعة عنده؟ فإنه لا يشفع عنده إلا بإذنه. وقيل : عائد على المشركين ، ويكون التفاتا خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عنهم وتنزيلا لهم منزلة الغائب الذي لا يحصل للخطاب ، ومعناه : أن عبادة هؤلاء أما بالعقل ، ولا عقل لمن يعبد ما لا يخلق من الأرض جزءا من الأجزاء ولا له شرك في السماء ؛ وأما بالنقل ، ولم نؤت المشركين كتابا فيه أمر بعبادة هؤلاء ، فهذه عبادة لا عقلية ولا نقلية. انتهى. وقرأ ابن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وحفص ، وأبان عن عاصم : (عَلى بَيِّنَةٍ) ، بالإفراد ؛ وباقي السبعة : بالجمع.
ولما بين تعالى فساد أمر الأصنام ووقف الحجة على بطلانها ، عقبه بذكر عظمته وقدرته ليتبين الشيء بضده ، وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله فقال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) : والظاهر أن معناه أن تنتقلا عن أماكنها وتسقط السموات عن علوها. وقيل : معناه أن تزولا عن الدوران. انتهى. ولا يصح أن الأرض لا تدور. ويظهر من قول ابن مسعود : أن السماء لا تدور ، وإنما تجري فيها الكواكب. وقال : كفى بها زوالا أن تدور ، ولو دارت لكانت قد زالت. وأن تزولا في موضع المفعول له ، وقدر لئلا تزولا ، وكراهة أن تزولا. وقال الزجاج : يمسك : يمنع من أن تزولا ، فيكون مفعولا ثانيا على إسقاط حرف الجر ، ويجوز أن يكون بدلا ، أي يمنع زوال السموات والأرض ، بدل اشتمال. (وَلَئِنْ زالَتا) : إن تدخل غالبا على الممكن ، فإن قدرنا دخولها على الممكن ، فيكون ذلك باعتبار يوم القيامة عند طي السماء ونسف الجبال ، فإن ذلك ممكن ، ثم واقع بالخبر الصادق ، أي ولئن جاء وقت زوالهما. ويجوز أن يكون ذلك على سبيل الفرض ، أي ولئن فرضنا زوالهما ، فيكون مثل لو في المعنى. وقد قرأ ابن أبي عبلة : ولو زالتا ، وإن نافية ، وأمسكهما في معنى المضارع جواب للقسم المقدّر قبل لام التوطئة في لئن ، وإنما هو في معنى المضارع لدخول إن الشرطية ، كقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) (١). أي ما يتبعون ، وكقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) (٢) : أي ليظلوا ، فيقدّر هذا كله مضارعا لأجل إن الشرطية ، وجواب إن في هذه المواضع محذوف لدلالة جواب القسم عليه. قال الزمخشري : و (إِنْ أَمْسَكَهُما) جواب القسم في (وَلَئِنْ زالَتا) ، سدّ مسدّ الجوابين. انتهى ، يعني أنه دل على الجواب المحذوف ، وإن أخذ كلامه على ظاهره لم يصح ، لأنه لو سدّ مسدّهما لكان له موضع من الإعراب باعتبار
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٥.
(٢) سورة الروم : ٣٠ / ٥١.