من قبلك ، ويحل بهم من الجدب والقحط ، ويكون العذاب في الدنيا ، وإن كان العذاب في الآخرة ، فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة. والظاهر أن الكتاب المبين هو القرآن ، أقسم به تعالى. ويكون الضمير في أنزلناه عائدا عليه. قيل : ويجوز أن يراد به الكتب الإلهية المنزلة ، وأن يراد به اللوح المحفوظ ، وجواب القسم. وقال الزمخشري وغيره : قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ، على أن الكتاب هو القرآن ، ويكون قد عظمه تعالى بالإقسام به. وقال ابن عطية : لا يحسن وقوع القسم عليه ، أي على (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ، وهو اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ، ويكون الذي وقع عليه القسم (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ). انتهى. قال قتادة ، وابن زيد ، والحسن : الليلة المباركة : ليلة القدر. وقالوا : كتب الله كلها إنما نزلت في رمضان ؛ التوراة في أوله ، والإنجيل في وسطه ، والزبور في نحو ذلك ، والقرآن في آخره ، في ليلة القدر ؛ ويعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر. وقيل : أنزل جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور ، ومن هناك كان جبريل يتلقاه. وقال عكرمة وغيره : هي ليلة النصف من شعبان ، وقد أوردوا فيها أحاديث. وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لا يصح فيها شيء ، ولا في نسخ الآجال فيها.
إنا كنا منذرين : أي مخوفين. قال الزمخشري : فإن قلت : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، ما موقع هاتين الجملتين؟ قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، كأنه قيل : أنزلناه ، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب. وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا ، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ، والمباركة : الكثيرة الخير ، لما ينتج الله فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده ، لكفى به بركة. انتهى. وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : يفرق ، بفتح الياء وضم الراء ، كل : بالنصب ، أي يفرق الله. وقرأ زيد بن علي ، فيما ذكر الزمخشري : نفرق بالنون ، كل بالنصب ؛ وفيما ذكر أبو على الأهوازي : عينه بفتح الياء وكسر الراء ، ونصب كل ، ورفع حكيم ، على أنه الفاعل بيفرق. وقرأ الحسن : وزائدة عن الأعمش بالتشديد مبنيا للمفعول ، أو معنى يفرق : يفصل من غيره ويلخص. ووصف أمر بحكيم ، أي أمر ذي حكمة ؛ وقد أبهم تعالى هذا الأمر.
وقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد : في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والأرزاق والآجال وغير ذلك ، ويكتب ذلك إلى مثلها من العام المقبل.