حذف الشرط وإبقاء جوابه ، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح ؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو ، على خلاف في ذلك. (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) : أي يتبعكم فرعون وجنوده ، فتنجون ويغرق المتبعون. (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) : قال ابن عباس : ساكنا كما أجراه. وقال مجاهد وعكرمة : يبسا من قوله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) (١). وقال الضحاك : دمثا لينا. وقال عكرمة : جددا. وقال ابن زيد : سهلا. وقال مجاهد أيضا : منفردا. قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ، لما قطعه ، حتى يلتئم ؛ وخاف أن يتبعه فرعون ، فقيل : لمه هذا؟ (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) : أي فيه ، لأنهم إذا رأوه ساكنا على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل ، أو مفتوحا طريقا يبسا ، دخلوا فيه ، فيطبقه الله عليهم.
(كَمْ تَرَكُوا) : أي كثيرا تركوا. (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) : تقدم تفسيرهما في الشعراء. وقرأ الجمهور : (وَمَقامٍ) ، بفتح الميم. قال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : أراد المقام. وقرأ ابن هرمز ، وقتادة ، وابن السميفع ، ونافع : في رواية خارجة بضمها. قال قتادة : أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها. (وَنَعْمَةٍ) ، بفتح النون : نضارة العيش ولذاذة الحياة. وقرأ أبو رجاء : (وَنَعْمَةٍ) ، بالنصب ، عطفا على كم (كانُوا فِيها فاكِهِينَ). قرأ الجمهور : بألف ، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ، كلابن ، وتامر ، وأبو رجاء ، والحسن : بغير ألف. والفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزئ ، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها. وقال الجوهري : فكه الرجل ، بالكسر ، فهو فكه إذا كان مزاحا ، والفكه أيضا الأشر. وقال القشيري : فاكهين : لاهين كذلك. وقال الزجاج : والمعنى : الأمر كذلك ، فيوقف على كذلك ؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ وقيل : الكاف في موضع نصب ، أي يفعل فعلا كذلك ، لمن يريد إهلاكه. وقال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني. وقال الحوفي : أهلكنا إهلاكا ، وانتقمنا انتقاما كذلك. وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها ، (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) ليسوا منهم ، وهم بنوا إسرائيل. كانوا مستعبدين في يد القبط ، فأهلك الله تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم. وقال قتادة ، وقال الحسن : إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ، ولا ملكوها قط ؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشام. انتهى. ولا اعتبار بالتواريخ ، فالكذب فيها
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٧٧.