السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ، إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ، إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ ، كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ، يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ، لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ، فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ).
لما ذكر تعالى إهلاك فرعون وقومه ، ذكر إحسانه لبني إسرائيل ؛ فبدأ بدفع الضرر عنهم ، وهو نجاتهم مما كانوا فيه من العذاب. ثم ذكر اتصال النفع لهم ، من اختيارهم على العالمين ، وإيتائهم الآيات والعذاب المهين : قتل أبنائهم ، واستخدامهم في الأعمال الشاقة. وقرأ عبد الله : (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) : وهو من إضافة الموصوف إلى صفته ، كبقلة الحمقاء. و (مِنْ فِرْعَوْنَ) : بدل (مِنَ الْعَذابِ) ، على حذف مضاف ، أي من عذاب فرعون. أولا حذف جعل فرعون نفسه هو العذاب مبالغة. وقيل : يتعلق بمحذوف ، أي كائنا وصادرا من فرعون. وقرأ ابن عباس : (مِنْ فِرْعَوْنَ) ، من : استفهام مبتدأ ، وفرعون خبره. لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون؟ على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته؟ ثم عرف حاله في ذلك بقوله : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) : أي مرتفعا على العالم ، أو متكبرا مسرفا من المسرفين.
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) : أي اصطفيناهم وشرفناهم. (عَلى عِلْمٍ) علم مصدر لم يذكر فاعله ، فقيل : على علم منهم ، وفضل فيهم ، فاخترناهم للنبوات والرسالات. وقيل : على علم منا ، أي عالمين بمكان الخيرة ، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. وقيل : على علم منا بما يصدر من العدل والإحسان والعلم والإيمان ، بأنهم يزيفون ، وتفرط منهم الهنات في بعض الأموال. وقيل : اخترناهم بهذا الانجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم ، وخصصناهم بذلك دون العالم. (عَلَى الْعالَمِينَ) : أي عالمي زمانهم ، لأن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم مفضلة عليهم. وقيل : على العالمين عام لكثرة الأنبياء فيهم ، وهذا خاص بهم ليس لغيرهم. وكان الاختيار من هذه الجهة ، لأن أمة محمد أفضل. وعلى ، في قوله : (عَلى عِلْمٍ) ، ليس