معناها معنى على في قوله : (عَلَى الْعالَمِينَ) ، ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ، كقوله :
ويوما على ظهر الكتيب تعذرت |
|
عليّ وآلت حلفة لم يحلل |
فعلى علم : حال ، إما من الفاعل ، أو من المفعول. وعلى ظهر : حال من الفاعل في تعذرت ، والعامل في ذي الحال. (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) : أي المعجزات الظاهرة في قوم فرعون ، وما ابتلوا به ؛ وفي بني إسرائيل مما أنعم به عليهم من تظليل الغمام والمنّ والسلوى ، وغير ذلك مما لم يظهرها لغيرهم. (ما فِيهِ بَلؤُا) : أي اختبار بالنعم ظاهر ، أو الابتلاء بالنعم كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) (١). (إِنَّ هؤُلاءِ) : يعني قريشا ، وفي اسم الإشارة تحقير لهم. (لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) : أي ما الموتة إلا محصورة في موتتنا الأولى. وكان قد قال تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (٢) ، فذكر موتتين ، أولى وثانية ، فأنكروا هم أن يكون لهم موتة ثانية. والمعنى : ما آخر أمرنا ومنتهى وجودنا إلا عند موتتنا. فيتضمن قولهم هذا إنكار البعث ، ثم صرحوا بما تضمنه قولهم ، فقالوا : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) : أي بمبعوثين بحياة دائمة يقع فيها حساب وثواب وعقاب ؛ وكان قولهم ذلك في معنى قولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٣).
(فَأْتُوا بِآبائِنا) : خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وللمؤمنين الذين كانوا يعدونهم بالبعث ، أي إن صدقتم فيما تقولون ، فأحيوا لنا من مات من أبنائنا ، بسؤالكم ربكم ، حتى يكون ذلك دليلا على البعث في الآخرة. قيل : طلبوا من الرسول أن يدعوا الله فيحيي لهم قصي بن كلاب ، ليشاوروه في صحة النبوة والبعث ، إذ كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل. (أَهُمْ) : أي قريش ، (خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ)؟ الظاهر أن تبعا هو شخص معروف ، وقع التفاضل بين قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام. وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب ، كما يطلق كسرى على من ملك الفرس ، وقيصر على من ملك الروم ؛ قيل : واسمه أسعد الحميري ، وكني أبا كرب ؛ وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة. وروي أنه لما آمن بالمدينة ، كتب كتابا ونظم شعرا. أما الشعر فهو :
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٨.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٢٩.