عرف. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى : ثم ، في قوله : (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً)؟ قلت : كمعناه في قول القائل :
يرى غمرات الموت ثم يزورها
وذلك بأن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار منها ، وأما زيارتها والإقدام على مزاولتها ، فأمر مستبعد. فمعنى ثم : الإيذان بأن فعل المقدم عليها ، بعد ما رآها وعاينها ، شيء يستبعد في العادة والطباع ، وكذلك آيات الله الواضحة القاطعة بالحق ، من تليت عليه وسمعها ، كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها. (اتَّخَذَها هُزُواً) ، ولم يقل : اتخذه ، إشعارا بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله على محمد صلىاللهعليهوسلم ، خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ، ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه. وقال الزمخشري : ويحتمل (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) ، يمكن أن يتشبث به المعاند ويجعله محملا يتسلق به على الطعن والغميزة ، افترصه واتخذ آيات الله هزوا ، وذلك نحو افتراص ابن الزبعري قوله عزوجل : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) ، ومغالطته رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله : خصمتك ؛ ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء ، لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية :
نفسي بشيء من الدنيا معلقة |
|
الله والقائم المهدي يكفيها |
حيث أراد عتبة. انتهى. وعتبة جارية كان أبو العتاهية يهواها وينتسب بها. والإشارة بأولئك إلى كل أفاك ، لشموله الأفاكين. حمل أولا على لفظ كل ، وأفرد على المعنى فجمع ، كقوله : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ*) (٢). (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) : أي من قدامهم ، والوراء : ما توارى من خلف وأمام. (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) من الأموال في متاجرهم ، (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان. (هذا) ، أي القرّاء ، (هُدىً) ، أي بالغ في الهداية ، كقولك : هذا رجل ، أي كامل في الرجولية. وقرأ طلحة ، وابن محيصن ، وأهل مكة ، وابن كثير ، وحفص : (أَلِيمٌ) ، بالرفع نعتا لعذاب ؛ والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وعيسى ، والأعمش ، وباقي السبعة : بالجر نعتا لرجز.
(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ) الآية : آية اعتبار في تسخير هذا المخلوق العظيم ، والسفن الجارية فيه بهذا المخلوق الحقير ، وهو الإنسان. (بِأَمْرِهِ) : أي بقدرته. أناب الأمر مناب
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٥٣.