أصحاب جرائم؟ والفاء في : أفلم ينوي بها التقديم ؛ وإنما قدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدر الكلام ، والتقدير : فيقال له ألم. وقال الزمخشري : والمعنى ألم يأتكم رسلي؟ فلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فحذف المعطوف عليه. انتهى. وقد تقدم الكلام معه في زعمه أن بين الفاء والواو ، إذا تقدمها همزة الاستفهام معطوفا عليه محذوفا ، ورددنا عليه ذلك.
وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) ، بفتح الهمزة ، وذلك على لغة سليم ؛ والجمهور : إن بكسرها. وقرأ الجمهور : (وَالسَّاعَةُ) بالرفع على الابتداء ، ومن زعم أن لاسم إن موضعا جوز العطف عليه هنا ، أو زعم أن لأن واسمها موضعا جوز العطف عليه ، وبالعطف على الموضع لأن واسمها هنا. قال أبو علي : ذكره في الحجة ، وتبعه الزمخشري فقال : وبالرفع عطفا على محل إن واسمها ، والصحيح المنع ؛ وحمزة : بالنصب عطفا على وعد الله ، وهي مروية عن الأعمش ، وأبي عمرو ، وعيسى ، وأبي حيوة ، والعبسي ، والمفضل. (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) ، تقول : ضربت ضربا ، فإن نفيت ، لم تدخل إلا ، إذ لا يفرغ بالمصدر المؤكد ، فلا تقول : ما ضربت إلا ضربا ، ولا ما قمت إلا قياما. فأما الآية ، فتأول على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصا لا مؤكدا ، وتقديره : إلا ظنا ضعيفا ، أو على تضمين نظن معنى نعتقد ، ويكون ظنا مفعولا به. وقد تأول ذلك بعضهم على وضع إلا في غير موضعها ، وقال : التقديران نحن إلا نظن ظنا. وحكى هذا عن المبرد ، ونظيره ما حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه من قول العرب :
ليس الطيب إلا المسك
قال المبرد : ليس إلا الطيب المسك. انتهى. واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعا بعد إلا. وأنت إذا قلت : ما كان زيد إلا فاضلا نصبت ، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس ، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها ، ويجعل في ليس ضمير الشأن ، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر ، فيصير كالملفوظ به ، في نحو : ما كان إلا زيد قائم. ولم يعرف المبرد أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما ، فلم يعملوها إلا باقية مكانها ، وليس غير عاملة. وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ، ولا تميمي إلا وهو يرفع. في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء ، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو. ونظير (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) قول الأعشى :
وجدّ به الشيب أثقاله |
|
وما اغتره الشيب إلا اغترارا |