جسارة منه ، عفا الله عنه. وانتصابهما على الحال من ضمير الفاعل ، أي حملته ذات كره ، أو على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي حملا ذاكره.
(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) : أي ومدة حمله وفصاله ، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصا ؛ إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين ، وإما أن تلد لتسعة أشهر على العرف وترضع عامين غير ربع عام. فإن زادت مدة الحمل ، نقصت مدة الرضاع. فمدة الرضاع عام وتسعة أشهر ، وإكمال العامين لمن أراد أن يتم الرضاعة. وقد كشفت التجربة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، كنص القرآن. وقال جالينوس : كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل ، فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة. وزعم ابن سينا أنه شاهد ذلك ؛ وأما أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه. قال ابن سينا في الشفاء : بلغني من جهة من أثق به كل الثقة ، أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل ، ولدت ولدا نبتت أسنانه. وحكي عن أرسطاطاليس أنه قال : إن مدة الحمل لكل الحيوان مضبوطة سوى الإنسان ، فربما وضعت لسبعة أشهر ، ولثمانية ، وقل ما يعيش الولد في الثامن ، إلا في بلاد معينة مثل مصر. انتهى. وعبر عن الرضاع بالفصال ، لما كان الرضاع يلي الفصال ويلابسه ، لأنه ينتهي به ويتم ، سمي به. وقرأ الجمهور : وفصاله ، وهو مصدر فاصل ، كأنه من اثنين : فاصل أمه وفاصلته. وقرأ أبو رجاء ، والحسن ، وقتادة ، والجحدري : وفصله ، قيل : والفصل والفصال مصدران ، كالفطم والفطام. وهنا لطيفة : ذكر تعالى الأم في ثلاثة مراتب في قوله : بوالديه وحمله وإرضاعه المعبر عنه بالفصال ، وذكر الوالد في واحدة في قوله : بوالديه ؛ فناسب ما قال الرسول من جعل ثلاثة أرباع البر للأم والربع للأب في قول الرجل : «يا رسول الله ، من أبر؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أباك».
(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) في الكلام حذف تكون حتى غاية له ، تقديره : فعاش بعد ذلك ، أو استمرت حياته ؛ وتقدم الكلام في (بَلَغَ أَشُدَّهُ*) (١) في سورة يوسف. والظاهر ضعف قول من قال : بلوغ الأشد أربعون ، لعطف (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً). والعطف يقتضي التغاير ، إلا إن ادعى أن ذلك توكيد لبلوغ الأشد فيمكن ؛ والتأسيس أولى من التأكيد ؛ وبلوغ الأربعين اكتمال العقل لظهور الفلاح. قيل : ولم يبعث نبي إلا بعد الأربعين. وفي الحديث : أن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول : بأبي وجه
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٢٢.