لا يفلح. (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) : وتقدم الكلام على هذا في سورة النمل. (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) : سأل أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنة له ، كأنه قال : هب لي الصلاح في ذريتي ، فأوقعه فيهم ، أو ضمن : وأصلح لي معنى : وألطف بي في ذريتي ، لأن أصلح يقتدي بنفسه لقوله : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) (١) ، فلذلك احتج قوله : (فِي ذُرِّيَّتِي) إلى التأويل. قيل : نزلت في أبي بكر رضياللهعنه ، وتتناول من بعده ، وهو مشكل ، لأنها نزلت بمكة ، وأبوه أسلم عام الفتح. ولقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) : فلم يقصد بذلك أبو بكر ولا غيره. والمراد بالإنسان الجنس ، ولذلك أشار يقوله : (أُولئِكَ) جمعا. وقرأ الجمهور : يتقبل مبنيا للمفعول ، أحسن رفعا ، وكذا ويتجاوز ؛ وزيد بن علي ، وابن وثاب ، وطلحة ، وأبو جعفر ، والأعمش : بخلاف عنه. وحمزة ، والكسائي ، وحفص : نتقبل أحسن نصبا ، ونتجاوز بالنون فيهما ؛ والحسن ، والأعمش ، وعيسى : بالياء فيهما مفتوحة ونصب أحسن.
(فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) ، قيل : في بمعنى مع ؛ وقيل : هو نحو قولك : أكرمني الأمير في ناس من أصحابه ، يريد في جملة من أكرم منهم ، ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة. وانتصب (وَعْدَ الصِّدْقِ) على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، لأن قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ) ، وعد منه تعالى بالتقبل والتجاوز ، لما ذكر الإنسان البار بوالديه وما آل إليه من الخير ، ذكر العاق بوالديه وما آل إليه من الشر. والمراد بالذي : الجنس ، ولذلك جاء الخبر مجموعا في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ). وقال الحسن : هو الكافر العاق بوالديه المنكر البعث. وقول مروان بن الحكم ، واتبعه قتادة : أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، قول خطأ ناشىء عن جور ، حين دعا مروان ، وهو أمير المدينة ، إلى مبايعة يزيد ، فقال عبد الرحمن : جعلتموها هرقلية؟ كلما مات هرقل ولى ابنه ، وكلما مات قيصر ولى ابنه؟ فقال مروان : خذوه ، فدخل بيت أخته عائشة رضياللهعنها ، وقد أنكرت ذلك عائشة فقالت ، وهي المصدوقة : لم ينزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي ؛ وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته. وصدت مروان وقالت : ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه ، فأنت فضض من لعنة الله. ويدل على فساد هذا القول أنه قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، وهذه
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٠.