وقال ابن عباس : هي جبل بالشام. قال ابن عطية : والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ، ولهم كانت (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) (١) ، وفي ذكر هذه القصة اعتبار لقريش وتسلية للرسول ، إذ كذبه قومه ، كما كذبت عاد هودا عليهالسلام. والجملة من قوله : (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) : وهو جمع نذير ، (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، يحتمل أن تكون حالا من الفاعل في : (النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ، وهم الرسل الذين تقدموا زمانه ، ومن خلفه الرسل الذين كانوا في زمانه ، ويكون على هذا معنى (وَمِنْ خَلْفِهِ) : أي من بعد إنذاره ؛ ويحتمل أن يكون اعتراضا بين إنذار قومه وأن لا تعبدوا. والمعنى : وقد أنذر من تقدمه من الرسل ، ومن تأخر عنه مثل ذلك ، فاذكرهم.
(قالُوا أَجِئْتَنا) : استفهام تقرير ، وتوبيخ وتعجيز له فيما أنذره إياهم من العذاب العظيم على ترك إفراد الله بالعبادة. (لِتَأْفِكَنا) : لتصرفنا ، قاله الضحاك ؛ أو لتزيلنا عن آلهتنا بالإفك ، وهو الكذب ، أي عن عبادة آلهتنا ، (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) : استعجال منهم بحلول ما وعدهم به من العذاب. ألا ترى إلى قوله : بل هو ما استعجلتم به؟ (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) : أي علم وقت حلوله ، وليس تعيين وقته إليّ ، وإنما أنا مبلغ ما أرسلني به الله إليكم. ولما تحقق عنده وعد الله ، وأنه حال بهم وهم في غفلة من ذلك وتكذيب ، قال : (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) : أي عاقبة أمركم لا شعور لكم بها ، وذلك واقع لا محالة. وكانت عاد قد حبس الله عنها المطر أياما ، فساق الله إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد يقال له المغيث ، فاستبشروا. والضمير في (رَأَوْهُ) الظاهر أنه عائد على ما في قوله : (بِما تَعِدُنا) ، وهو العذاب ، وانتصب عارضا على الحال من المفعول. وقال ابن عطية ، ويحتمل أن يعود على الشيء المرئي الطالع عليهم ، الذي فسره قوله : (عارِضاً).
وقال الزمخشري : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) ، في الضمير وجهان : أن يرجع إلى ما تعدنا ، وأن يكون مبهما ، قد وضح أمره بقوله : (عارِضاً) ، إما تمييز وإما حال ، وهذا الوجه أعرب وأفصح. انتهى. وهذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكره النحاة ، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب ، نحو : رب رجلا لقيته ، وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين ، نحو : نعم رجلا زيد ، وبئس غلاما عمرو. وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره ، فلا نعلم أحدا ذهب إليه ، وقد حصر النحاة المضمر الذي
__________________
(١) سورة الفجر : ٨٩ / ٧.