للمفعول ، ولو لم يكن معمولا له ، ما جازت إضافته إليه. وضرب الرقاب عبارة عن القتل ؛ ولما كان القتل للإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته ، عبر بذلك عن القتل ، ولا يراد خصوصية الرقاب ، فإنه لا يكاد تتأتى حالة الحرب أن تضرب الرقاب ، وإنما يتأتى القتال في أي موضع كان من الأعضاء. ويقال : ضرب الأمير رقبة فلان ، وضرب عنقه وعلاوته وما فيه عيناه ، إذا قتله ، كما عبر بقوله : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (١) عن سائر الأفعال ، لما كان أكثر الكسب منسوبا إلى الأيدي. قال الزمخشري : وفي هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه. وقد زاد في هذه في قوله : (فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (٢). انتهى. ولما في ذلك من تشجيع المؤمنين ، وأنهم من الكفار بحيث هم متمكنون منهم إذا أمروا بضرب رقابهم. (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) : أي أكثرتم القتل فيهم ، وهذه غاية للضرب ، فإذا وقع الإثخان وتمكنوا من أخذ من لم يقتل وشدوا وثاق الأسرى ، (فَإِمَّا مَنًّا) بالإطلاق ، (وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) : أي أثقالها وآلاتها. ومنه قول عمرو بن معدي كرب :
وأعددت للحرب أوزارها |
|
رماحا طوالا وخيلا ذكورا |
أنشده ابن عطية لعمرو هذا ، وأنشده الزمخشري للأعشى. وقيل : الأوزار هنا : الآثام ، لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين ، وهذه الغاية. قال مجاهد : حتى ينزل عيسى بن مريم. وقال قتادة : حتى يسلم الجميع ؛ وقيل : حتى تقتلوهم. وقال ابن عطية : وظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبدا ، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا يضيع أوزارها ، فجاء هذه ، كما تقول : أنا أفعل كذا وكذا إلى يوم القيامة ، فإنما تريد أنك تفعله دائما. وقال الزمخشري : وسميت ، يعني آلات الحرب من السلاح والكراع ، أوزارها ، لأنه لما لم يكن لها بد من جرها ، فكأنها تحملها وتستقل بها ؛ فإذا انقضت ، فكأنها وضعتها. وقيل : أوزارها : آثامها ، يعني حتى يترك أهل الحرب ، وهم المشركون ، شركهم ومعاصيهم ، بأن يسلموا. والظاهر أن ضرب الرقاب ، وهو القتل مغيا بشد الوثاق وقت حصول الإثخان ، وأن قوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) ، أي بعد الشد ، (وَإِمَّا فِداءً) ، حالتان للمأسور ، إما أن يمن عليه بالإطلاق ، كما منّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإطلاق
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٣٠.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ١٢.