جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ).
(يَتَمَتَّعُونَ) : أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياما قلائل ، (وَيَأْكُلُونَ) ، غافلين غير مفكرين في العاقبة ، (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) في مسارحها ومعالفها ، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح. والكاف في موضع نصب ، إما على الحال من ضمير المصدر ، كما يقول سيبويه ، أي يأكلونه ، أي الأكل مشبها أكل الأنعام. والمعنى : أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر ، كما يقال للجاهل : يعيش كما تعيش البهيمة ، لا يريد التشبيه في مطلق العيش ، ولكن في لازمه. (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) : أي موضع إقامة. ثم ضرب تعالى مثلا لمكة والقرى المهلكة على عظمها ، كقرية عاد وغيرهم ، والمراد أهلها ، وأسند الإخراج إليها مجازا. والمعنى : كانوا سبب خروجك ، وذلك وقت هجرته عليهالسلام إلى المدينة. وكما جاء في حديث ورقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذعا إذ يخرجك قومك ، قال : أو مخرجي هم؟ وقال ابن عطية : ونسب الإخراج إلى القرية حملا على اللفظ ، وقال : (أَهْلَكْناهُمْ) ، حملا على المعنى. انتهى. وظاهر هذا الكلام لا يصح ، لأن الضمير في أهلكناهم ليس عائدا على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج ، بل إلى أهل القرية في قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) ، وهو صحيح ، لكن ظاهر قوله حملا على اللفظ وحملا على المعنى : أي أن يكون في مدلول واحد ، وكان يبقى كأين مفلتا غير محدث عنه بشيء ، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال : فهم لا ينصرون إذ ذاك. وقال ابن عباس : لما أخرج من مكة إلى الغار ، التفت إلى مكة وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إليّ ، فلو أن المشركين لم يخرجوني ، لم أخرج منك ، فأعدى الأعداء من عدا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله. وقيل : بدخول الجاهلية قال : فأنزل الله تعالى ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) الآية ؛ وقد تقدّم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : استفهام توقيف وتقرير على كل شيء متفق عليه ، وهي معادلة بين هذين الفريقين. قال قتادة : والإشارة إلى الرسول وإلى كفار قريش. انتهى. واللفظ عام لأهل الصنفين. ومعنى على بينة : واضحة ، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات. (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) : وهو الشرك والكفر بالله وعبادة غيره. (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) : أي شهوات أنفسهم ممن لا يكون له بينة ، فعبدوا غير خالقهم. والضمير في واتبعوا عائد على معنى من ، وقرىء أمن كان بغير فاء. (مَثَلُ الْجَنَّةِ) : أي صفة الجنة ،