(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ) : أي يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة ، وهو استفهام توبيخي وتوقيفي على محاربهم. (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) : استعارة للذين منهم الإيمان ، وأم منقطعة بمعنى بل ، والهمزة للتقرير ، ولا يستحيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها ذكر ، ولم يحتج إلى تعريف القلوب ، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر. ولا حاجة إلى تقدير صفة محذوف ، أي أم على قلوب أقفالها قاسية. وأضاف الأقفال إليها ، أي الأقفال المختصة ، أو هي أقفال الكفر التي استغلقت ، فلا تفتح. وقرىء : إقفالها ، بكسر الهمزة ، وهو مصدر ، وأقفلها بالجمع على أفعل. (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود ، وكانوا عرفوا أمر الرسول من التوراة. وتبين لهم بهذا الوجه ؛ فلما باشروا أمره حسدوه ، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى. وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ، ثم ماتت قلوبهم. والآية تتناول كل من دخل في ضمن لفظها.
وتقدم الكلام على (سَوَّلَ) في سورة يوسف. وقال الزمخشري : سول لهم ركوب العظائم ، من السول ، وهو الاسترخاء ، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : بمعنى ولا هم من السول ، وهو الاسترخاء والتدلي. وقال غيره : سولهم : زجاهم. وقال ابن بحر : أعطاهم سؤلهم. وقول الزمخشري ، وقد اشتقه إلى آخره ، ليس بجيد ، لأنه توهم أن السول أصله الهمزة. واختلف المادتان ، أو عين سول واو ، وعين السؤل همزة ؛ والسول له مادتان : إحداهما الهمز ، من سأل يسئل ؛ والثانية الواو ، من سال يسال. فإذا كان هكذا ، فسول يجوز أن يكون من ذوات الهمز. وقال صاحب اللوامح : والتسويل أصله من الإرخاء ، ومنه : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) (١). والسول : استرخاء البطن. وقرأ زيد بن علي : (سَوَّلَ لَهُمْ) : أي كيده على تقدير حذف مضاف. وقرأ الجمهور : (وَأَمْلى لَهُمْ) مبنيا للفاعل ، والظاهر أنه يعود على الشيطان ، وقاله الحسن ، وجعل وعده الكاذب بالبقاء ، كالإبقاء. والإبقاء هو البقاء ملاوة من الدهر يمد لهم في الآمال والأماني. قيل : ويحتمل أن يكون فاعل أملى ضميرا يعود على الله ، وهو الأرجح ، لأن حقيقة الإملاء إنما هو من الله. وقرأ ابن سيرين ، والجحدري ، وشيبة ، وأبو عمرو ، وعيسى : وأملى مبنيا للمفعول ، أي أمهلوا ومدوا في عمرهم. وقرأ مجاهد ، وابن هرمز ، والأعمش ، وسلام ، ويعقوب : وأملي بهمزة المتكلم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٢٢.