أخبر أولا بقوله : (أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) ، فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها ، وهي كون الله تعالى معهم. (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) ، قال ابن عباس : ولن يظلمكم ؛ وقيل : لن يعريكم من ثواب أعمالكم ؛ وقيل : ولين ينقصكم. وقال الزمخشري ، وقال أبو عبيد : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) : من وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم أو قريب ؛ قال : أو ذهبت بماله ؛ قال : أو حربته ، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد. فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» ، أي أفرد عنهما قتلا ونهبا.
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) : وهو تحقير لأثر الدنيا ، أي فلا تهنوا في الجهاد. وأخبر عنها بذلك ، باعتبار ما يختص بها من ذلك ؛ وأما ما فيها من الطاعة وأمر الآخرة فليس بذلك. (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) : أي ثواب أعمالكم من الإيمان والتقوى ، (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ). قال سفيان بن عيينة : أي كثيرا من أموالكم ، إنما يسألكم ربع العشر ، فطيبوا أنفسكم. وقيل : لا حاجة إليها ، بل يرجع ثواب إنفاقكم إليكم. وقيل : إنما يسألكم أمواله ، لأنه هو المالك لها حقيقة ، وهو المنعم بإعطائها. وقيل : الضمير في يسألكم للرسول ، أي لا يسألكم أجرا على تبليغ الرسالة ، كما قال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (١).
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) جميعا (فَيُحْفِكُمْ) : أي يبالغ في الإلحاح. (تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) : أي تطعنون على الرسول وتضيق صدوركم كذلك ، وتخفون دينا يذهب بأموالكم. وقرأ الجمهور : ويخرج أضغانكم جزما على جواب الشرط ، والفعل مسند إلى الله ، أو إلى الرسول ، أو إلى البخل. وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : ويخرج ، بالرفع على الاستئناف بمعنى : وهو يخرج. وحكاها أبو حاتم ، عن عيسى ؛ وفي اللوامح عن عبد الوارث ، عن أبي عمرو : وتخرج ، بالتاء وفتحها وضم الراء والجيم ؛ أضغانكم : بالرفع ، بمعنى : وهو يخرج أو سيخرج أضغانكم ، رفع بفعله. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وابن محيصن ، وأيوب بن المتوكل ، واليماني : وتخرج ، بتاء التأنيث مفتوحة ؛ أضغانكم : رفع به ؛ ويعقوب : ونخرج ، بالنون ؛ أضغانكم : رفعا ، وهي مروية
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٨٦.