عن عيسى ، إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن ، فالواو عاطفة على مصدر متوهم ، أي يكف بخلكم وإخراج أضغانكم. وهذا الذي خيف أن يعتري المؤمنين ، هو الذي تقرب به محمد بن سلمة إلى كعب بن الأشرف ، وتوصل به إلى قتله حين قاله له : إن هذا الرجل قد أكثر علينا وطلب منا الأموال.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) : كرر هاء التنبيه توكيدا ، وتقدم الكلام على هذا التركيب في سورة آل عمران. وقال الزمخشري : هؤلاء موصول بمعنى الذين صلته تدعون ، أي أنتم الذين تدعون ، أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ؛ ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وصفنا فقيل : تدعون لتنفقوا في سبيل الله. انتهى. وكون هؤلاء موصولا إذا تقدمها ما الاستفهامية باتفاق ، أو من الاستفهامية باختلاف. (فِي سَبِيلِ اللهِ) ، قيل : للغزو ، وقيل : الزكاة ، واللفظ أعم. (وَمَنْ يَبْخَلْ) : أي بالصدقة وما أوجب الله عليه ؛ (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) : أي لا يتعدى ضرره لغيره. وبخل يتعدى بعلى وبعن. يقال : بخلت عليه وعنه ، وصليت عليه وعنه ؛ وكأنهما إذا عديا بعن ضمنا معنى الإمساك ، كأنه قيل : أمسكت عنه بالبخل.
(وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) : أي الغني مطلقا ، إذ يستحيل عليه الحاجات. وأنتم الفقراء مطلقا ، لافتقاركم إلى ما تحتاجون إليه في الدنيا ، وإلى الثواب في الآخرة. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) : عطف على : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) ، أي وإن تتولوا ، أي عن الإيمان والتقوى. (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) : أي يخلق قوما غيركم راغبين في الإيمان والتقوى ، غير متولين عنهما ، كما قال : (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١). وتعيين أولئك القوم ، وأنهم الأنصار ، أو التابعون ، أو أهل اليمن ، أو كندة والنخع ، أو العجم ، أو فارس والروم ، أو الملائكة ، أقوال. والخطاب لقريش ، أو لأهل المدينة ، قولان. وروى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن هذا ، وكان سلمان إلى جنبه ، فوضع يده على فخذه وقال : «قوم هذا والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس». وإن صح هذا الحديث ، وجب المصير في تعيين ما انبهم من قوله : (قَوْماً غَيْرَكُمْ) إلى تعيين الرسول. (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) : أي في الخلاف والتولي والبخل.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٩.