تنزيل ، بالنصب على المصدر ؛ وباقي السبعة ، وأبو بكر ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والحسن ، والأعرج ، والأعمش : بالرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو تنزيل ؛ وأبو حيوة ، واليزيدي ، والقورصي عن أبي جعفر ، وشيبة ؛ بالخفض إما على البدل من القرآن ، وإما على الوصف بالمصدر. (لِتُنْذِرَ) : متعلق بتنزيل أو بأرسلنا مضمرة. (ما أُنْذِرَ) ، قال عكرمة : بمعنى الذي ، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب ، فما مفعول ثان ، كقوله : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) (١). قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، أي (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ، والآباء على هذا هم الأقدمون من ولد إسماعيل ، وكانت النذارة فيهم. و (فَهُمْ) على هذا التأويل بمعنى فإنهم ، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة ، فتتعلق بقوله : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ). (لِتُنْذِرَ) ، كما تقول : أرسلتك إلى فلان لتنذره ، فإنه غافل ، أو فهو غافل. وقال قتادة : ما نافية ، أي أن آباءهم لم ينذروا ، فآباؤهم على هذا هم القربيون منهم ، وما أنذر في موضع الصفة ، أي غير منذر آباؤهم ، وفهم غافلون متعلق بالنفي ، أي لم ينذروا فهم غافلون ، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم. وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) : المشهور أن القول (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢). وقيل : لقد سبق في علمه وجوب العذاب. وقيل : حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ؛ فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك. والظاهر أن قوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) الآية هو حقيقة لا استعارة. لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون ، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. قال ابن عطية : وقوله (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) يضعف هذا ، لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله. انتهى ، ولا يضعف هذا. ألا ترى إلى قوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) (٣) ، وقوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) (٤)؟ وإما أن يكون قوله : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥) ، كناية عن إدراكه ما يؤول إليه ، حتى كأنه يبصره. وقال الجمهور : ذلك استعارة. قال ابن عباس ، وابن إسحاق : استعارة لحالة الكفرة الذين أرادوا الرسول بسوء ، جعل الله هذا لهم مثلا في كفه إياهم عنه ، ومنعهم من أذاه حين بيتوه. وقال
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ٤٠.
(٢) سورة هود : ١١ / ١١٩.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.
(٤) سورة طه : ٢٠ / ١٢٥.
(٥) سورة ق : ٥٠ / ٢٢.