مكة ، وأسروا منهم جملة ، وسيقوا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فمنّ عليهم وأطلقهم. وقال قتادة : كان ذلك بالحديبية عند معكسره ، وهو ببطن مكة. وعن أنس : هبط ثمانون رجلا من أهل مكة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جبل التنعيم مسلحين يريدون غرته ، فأخذناهم فاستحياهم. وفي حديث عبد الله بن معقل أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم ، فأخذ الله أبصارهم ، فقال لهم : «هل جئتم في عهد؟ وهل جعل لكم أحد أمانا»؟ قالوا : اللهم لا ، فخلى سبيلهم. وقال الزمخشري كان يعني هذا الكف يوم الفتح ، وبه استشهد أبو حنيفة ، على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا. وقيل : كان ذلك في غزوة الحديبية ، لما روي أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة. وعن ابن عباس : أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت. انتهى. وقرأ الجمهور : بما تعملون ، على الخطاب ؛ وأبو عمرو : بالياء ، وهو تهديد للكفار.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : يعني أهل مكة. قال ابن خالويه : يقال الهدي والهدى والهداء ، ثلاث لغات. انتهى. وقرأ الجمهور : الهدي ، بسكون الدال ، وهي لغة قريش ؛ وابن هرمز ، والحسن ، وعصمة عن عاصم ، واللؤلؤي ، وخارجة عن أبي عمرو : والهدي ، بكسر الدال وتشديد الياء ، وهما لغتان ، وهو معطوف على الضمير في صدّوكم ؛ ومعكوفا : حال ، أي محبوسا. عكفت الرجل عن حاجته : حبسته عنها ، وأنكر أبو عليّ تعدية عكف ، وحكاه ابن سيدة والأزهري وغيرهما. وهذا الحبس يجوز أن يكون من المشركين بصدهم ، أو من جهة المسلمين لتردّدهم ونظرهم في أمرهم. وقرأ الجعفي ، عن أبي عمرو : والهدي ، بالجر معطوفا على المسجد الحرام : أي وعن نحر الهدي. وقرأ : بالرفع على إضمار وصد الهدي ، وكان خرج عليه ومعه مائة بدنة ، قاله مقاتل. وقيل : بسبعين ، وكان الناس سبعمائة رجل ، فكانت البدنة عن عشرة ، قاله المسور بن مخرمة وأبيّ بن الحكم.
(أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ، قال الشافعي : الحرم ، وبه استدل أبو حنيفة أن محل هدي المحصر الحرم ، لا حيث أحصر. وقال الفراء : حيث يحل نحره ، و (أَنْ يَبْلُغَ) : يحتمل أن يتعلق بالصد ، أي وصدوا الهدي ، وذلك على أن يكون بدل اشتمال ، أي وصدوا بلوغ الهدي محله ، أو على أنه مفعول من أجله ، أي كراهة أن يبلغ محله. ويحتمل أن يتعلق بمعكوفا ، أي محبوسا لأجل أن يبلغ محله ، فيكون مفعولا من أجله ، ويكون الحبس من المسلمين. أو محبوسا عن أن يبلغ محله ، فيكون الحبس من المشركين ، وكان بمكة قوم من المسلمين مختلطين بالمشركين ، غير متميزين عنهم ، ولا معروفي الأماكن ؛ فقال