آية للمؤمنين ، وعلامة يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان ، وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم. وقيل : رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتح مكة في منامه ، ورؤيا الأنبياء حق ، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة ، فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة ، فيكون الضمير في ولتكون عائدا على هذه ، وهي مغانم خيبر ، والواو في ولتكون زائدة عند الكوفيين وعاطفة على محذوف عند غيرهم ، أي ليشكروه ولتكون ، أو وعد فعجل وكف لينفعكم بها ولتكون ، أو يتأخر ، أو يقدر ما يتعلق به متأخرا ، أي فعل ذلك. (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) : أي طريق التوكل وتفويض الأمور إليه. وقيل : بصيرة واتقانا.
(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) ، قال ابن عباس ، والحسن ، ومقاتل : بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون. وقال الضحاك ، وابن زيد ، وابن إسحاق : خيبر. وقال قتادة ، والحسن : مكة ، وهذا القول يتسق معه المعنى ويتأيد. وفي قوله : (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) دلالة على تقدم محاولة لها ، وفوات درك المطلوب في الحال ، كما كان في مكة. وقال الزمخشري : هي مغانم هوازن في غزوة حنين. وقال : (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) ، لما كان فيها من الجولة ، وجوز الزمخشري في : (وَأُخْرى) ، أن تكون مجرورة بإضمار رب ، وهذا فيه غرابة ، لأن رب لم تأت في القرآن جارة ، مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب ، فكيف يؤتى بها مضمرة؟ وإنما يظهر أن (وَأُخْرى) مرفوع بالابتداء ، فقد وصفت بالجملة بعدها ، وقد أحاط هو الخبر. ويجوز أن تكون في موضع نصب بمضمر يفسره معنى (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) : أي وقضى الله أخرى. وقد ذكر الزمخشري هذين الوجهين ومعنى (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) بالقدرة والقهر لأهلها ، أي قد سبق في علمه ذلك ، وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها.
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : هذا ينبني على الخلاف في قوله تعالى : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) ، أهم مشركو مكة ، أو ناصرو أهل خيبر ، أو اليهود؟ (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) : أي لغلبوا وانهزموا. (سُنَّةَ اللهِ) : في موضع المصدر المؤكد لمضمون الجملة قبله ، أي سن الله عليه أنبياءه سنة ، وهو قوله : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١). (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ) : أي قضى بينكم المكافة والمحاجزة ، بعد ما خولكم الظفر عليهم والغلبة. وروي في سببها أن قريشا جمعت جماعة من فتيانها ، وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل ، وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فلما أحس بهم المسلمون ، بعث عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد ، وسماه حينئذ سيف الله ، في جملة من الناس ، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت
__________________
(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢١.