منها ، إلا أنها قصيرة. فقال لها النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اغتبتيها ، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرتيه». وحكى الزهراوي عن جابر ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الغيبة أشد من الزنا ، لأن الزاني يتوب الله عليه ، والذي يغتاب فلا يتاب عليه حتى يستحل ، وعرض المسلم مثل دمه في التحريم». وفي الحديث المستفيض : «فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم». ولا يباح من هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه ، من تجريح الشهود والرواة ، والخطاب إذا استنصح من يخطب إليه من يعرفهم ، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم ، ومنه :
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) ، قال الزمخشري : تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه ، وفيه مبالغات شتى ، منها : الاستفهام الذي معناه التقرير ، ومنها : جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ، ومنها : إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك ، ومنها : أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخا ، ومنها : أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتا. انتهى. وقال الرماني : كراهية هذا اللحم يدعو إليه الطبع ، وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل ، وهو أحق أن يجاب ، لأنه بصير عالم ، والطبع أعمى جاهل. انتهى. وقال أبو زيد السهيلي : ضرب المثل لأخذه العرض بأكل اللحم ، لأن اللحم ستر على العظم ، والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر.
وقال تعالى : (مَيْتاً) ، لأن الميت لا يحس ، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب ، ثم هو في التحريم كآكل لحم الميت. انتهى. وروي في الحديث : «ما صام من أكل لحوم الناس». وقال أبو قلابة الرياشي : سمعت أبا عاصم يقول : ما اغتبت أحدا منذ عرفت ما في الغيبة. وقيل : لعمر بن عبيد : لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك ، قال : إياه فارحموا. وقال رجل للحسن : بلغني أنك تغتابني ، قال : لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي. وانتصب ميتا على الحال من لحم ، وأجاز الزمخشري أن ينتصب عن الأخ ، وهو ضعيف ، لأن المجرور بالإضافة لا يجيء الحال منه إلا إذا كان له موضع من الإعراب ، نحو : أعجبني ركوب الفرس مسرجا ، وقيام زيد مسرعا. فالفرس في موضع نصب ، وزيد في موضع رفع. وقد أجاز بعض أصحابنا أنه إذا كان الأول جزأ أو كالجزء ، جاز انتصاب الحال من الثاني ، وقد رددنا عليه ذلك فيما كتبناه في علم النحو.