وارتفع بين الناس ، كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن تذكروا بالفسق. (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) : أي عن هذه الأشياء (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) : تشديد وحكم بظلم من لم يتب.
(اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) : أي لا تعملوا على حسبه ، وأمر تعالى باجتنابه ، لئلا يجترىء أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل وتمييز بين حقه وباطله. والمأمور باجتنابه هو بعض الظن المحكوم عليه بأنه إثم ، وتمييز المجتنب من غيره أنه لا يعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر ، كمن يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث ، كالدخول والخروج إلى حانات الخمر ، وصحبة نساء المغاني ، وإدمان النظر إلى المرد. فمثل هذا يقوي الظن فيه أنه ليس من أهل الصلاح ، ولا إثم فيه ، وإن كنا لا نراه يشرب الخمر ، ولا يزني ، ولا يعبث بالشبان ، بخلاف من ظاهره الصلاح فلا يظن به السوء. فهذا هو المنهي عنه ، ويجب أن يزيله. والإثم : الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب. وقال الزمخشري : والهمزة فيه بدل عن الواو ، كأنه يثم الأعمال ، أي يكسرها بإحباطه ، وهذا ليس بشيء ، لأن تصريف هذه الكلمة مستعمل فيه الهمز. تقول : أثم يأثم فهو آثم ، والإثم والآثام ، فالهمزة أصل وليست بدلا عن واو. وأما يثم فأصله يوثم ، وهو من مادة أخرى. وقيل : الإثم متعلق بتكلم الظان. أما إذا لم يتكلم ، فهو في فسحة ، لأنه لا يقدر على رفع الخواطر التي يبيحها قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الحزم سوء الظن». وقرأ الجمهور : ولا تجسسوا بالجيم. وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين بالحاء وهما متقاربان ، نهى عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه. وقيل لابن مسعود : هل لك في فلان تقطر لحيته خمرا؟ فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، فإن ظهر لنا شيء أخذنا به. وفي الحديث : «أن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم» ، وقد وقع عمر رضي الله تعالى عنه في حراسته على من كان في ظاهره ريبة ، وكان دخل عليه هجما ، فلما ذكر له نهي الله تعالى عن التجسس ، انصرف عمر.
(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، يقال : غابه واغتابه ، كغاله واغتاله ؛ والغيبة من الاغتياب ، كالغيلة من الاغتيال ، وهي ذكر الرجل بما يكره مما هو فيه. وفي الحديث : «سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما الغيبة فقال : أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ، فقال : يا رسول الله وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا قلت باطلا فذلك البهتان» ، وفي الصحيحين فقد بهته. وقال ابن عباس : الغيبة أدام كلاب الناس. وقالت عائشة عن امرأة : ما رأيت أجمل