يعيب غيره ، مما لا يدين بدينه. ففي الحديث : «اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس». وقيل : المعنى لا تفعلوا ما تلمزون به ، لأن من فعل ما استحق اللمز ، فقد لمز نفسه.
(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) : اللقب إن دل على ما يكرهه المدعو به ، كان منهيا ، وأما إذا كان حسنا ، فلا ينهى عنه. وما زالت الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. وروي أن بني سلمة كانوا قد كثرت فيهم الألقاب ، فنزلت الآية بسبب ذلك. وفي الحديث : «كنوا أولادكم». قال عطاء : مخافة الألقاب. وعن عمر : «أشيعوا الكنى فإنها سنة». انتهى ، ولا سيما إذا كانت الكنية غريبة ، لا يكاد يشترك فيها أحد مع من تكنى بها في عصره ، فإنه يطير بها ذكره في الآفاق ، وتتهادى أخباره الرفاق ، كما جرى في كنيتي بأبي حيان ، واسمي محمد. فلو كانت كنيتي أبا عبد الله أو أبا بكر ، مما يقع فيه الاشتراك ، لم أشتهر تلك الشهرة ، وأهل بلادنا جزيرة الأندلس كثيرا ما يلقبون الألقاب ، حتى قال فيهم أبو مروان الطنبي :
يا أهل أندلس ما عندكم أدب |
|
بالمشرق الأدب النفاخ بالطيب |
يدعى الشباب شيوخا في مجالسهم |
|
والشيخ عندكم يدعى بتلقيب |
فمن علماء بلادنا وصالحيهم من يدعى الواعي وباللص وبوجه نافخ ، وكل هذا يحرم تعاطيه. قيل : وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش وواصل الأحدب ونحوه مما تدعو الضرورة إليه ، وليس فيه قصد استخفاف ولا أذى. قالوا : وقد قال ابن مسعود لعلقمة : وتقول أنت ذلك يا أعور. وقال ابن زيد : أي لا يقول أحد لأحد يا يهودي بعد إسلامه ، ولا يا فاسق بعد توبته ، ونحو ذلك. وتلاحى ابن أبي حدرد وكعب بن مالك ، فقال له مالك : يا أعرابي ، يريد أن يبعده من الهجرة ، فقال له الآخر : يا يهودي ، يريد المخاطبة لليهود في يثرب.
(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) : أي بئس اسم تنسبونه بعصيانكم نبزكم بالألقاب ، فتكونون فساقا بالمعصية بعد إيمانكم ، أو بئس ما يقوله الرجل لأخيه يا فاسق بعد إيمانه. وقال الرماني : هذه الآية تدل على أنه لا يجتمع الفسوق والإيمان. انتهى. وقال الزمخشري : نحو قول الرماني ، قال : استقباح الجمع بعد الإيمان ، والفسق الذي يأباه الإيمان ، وهذه نزغة اعتزالية. وقال الزمخشري : الاسم هاهنا بمعنى الذكر من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم أو باللوم ، كما يقال : طار ثناؤه وصيته وحقيقة ما سمي من ذكره