إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
قيل : غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة ، فنزلت. وعن ابن عباس ، سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح له عند النبي صلىاللهعليهوسلم : يا ابن فلانة ؛ فوبخه النبي صلىاللهعليهوسلم وقال له : «إنك لا تفضل أحدا إلا في الدين والتقوى».
ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضا. (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) : أي من آدم وحواء ، أو كل أحد منكم من أب وأم ، فكل واحد منكم مساو للآخر في ذلك الوجه ، فلا وجه للتفاخر. (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) : وتقدم الكلام على شيء من ذلك في المفردات. وقيل : الشعوب في العجم والقبائل في العرب ، والأسباط في بني إسرائيل. وقيل : الشعوب : عرب اليمن من قحطان ، والقبائل : ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقال قتادة ، ومجاهد ، والضحاك : الشعب : النسب الأبعد ، والقبيلة : الأقرب ، قال الشاعر :
قبائل من شعوب ليس فيهم |
|
كريم قد يعدّ ولا نجيب |
وقيل : الشعوب : الموالي ، والقبائل : العرب. وقال أبو روق : الشعوب : الذين ينسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل : الذين ينسبون إلى آبائهم. انتهى. وواحد الشعوب شعب ، بفتح الشين. وشعب : بطن من همدان ينسب إليه عامر الشعبي من سادات التابعين ، والنسب إلى الشعوب شعوبية ، بفتح الشين ، وهم الأمم التي ليست بعرب. وقيل : هم الذين يفضلون العجم على العرب ، وكان أبو عبيدة خارجيا شعوبيا ، وله كتاب في مناقب العرب ، ولابن غرسبة رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب ، وقد رد عليه ذلك علماء الأندلس برسائل عديدة. وقرأ الجمهور : (لِتَعارَفُوا) ، مضارع تعارف ، محذوف التاء ؛ والأعمش : بتاءين ؛ ومجاهد ، وابن كثير في رواية ، وابن محيصن : بإدغام التاء في التاء ؛ وابن عباس ، وأبان عن عاصم : لتعرفوا ، مضارع عرف ؛ والمعنى : أنكم جعلكم الله تعالى ما ذكر ، كي يعرف بعضكم بعضا في النسب ، فلا ينتمي إلى غير آبائه ، لا التفاخر بالآباء والأجداد ، ودعوى التفاضل ، وهي التقوى. وفي خطبته عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة : «إنما الناس رجلان ، مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين