على الله» ، ثم قرأ الآية. وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله». وما زال التفاخر بالأنساب في الجاهلية والإسلام ، وبالبلاد وبالمذاهب وبالعلوم وبالصنائع ، وأكثره بالأنساب :
وأعجب شيء إلى عاقل |
|
فروع عن المجد مسأخره |
إذا سئلوا ما لهم من علا |
|
أشاروا إلى أعظم ناخره |
ومن ذلك : افتخار أولاد مشايخ الزوايا الصوفية بآبائهم ، واحترام الناس لهم بذلك وتعظيمهم لهم ، وإن كان الأولاد بخلاف الآباء في الدين والصلاح. وقرأ الجمهور : إن ، بكسر الهمزة ؛ وابن عباس : بفتحها ، وكان قرأ : لتعرفوا ، مضارع عرف ، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا ، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر ، وهو أجود من حيث المعنى. وأما إن كانت لام كي ، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوبا وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى. فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفا ، أي لتعرفوا الحق ، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ساغ في لام لتعارفوا أن تكون لام كي.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة ، قبيلة تجاور المدينة ، أظهروا الإسلام وقلوبهم دخلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا. وقيل : مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ، أكذبهم الله في دعوى الإيمان ، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه ، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم ، وهذا في أعراب مخصوصين. فقد قال الله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١) الآية.
(وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم ، وهو الاستسلام والانقياد ظاهرا ، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم ، فلذلك قال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار ، وتبين أن قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي ، بل متصلا بزمان الإخبار أيضا ، لأنك إذا نفيت بلم ، جاز أن يكون النفي قد انقطع ، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام ، وجاز أن يكون النفي متصلا بزمن الإخبار. فإذا كان متصلا بزمن الإخبار ، لم يجز أن تقول : وقد قام ، لتكاذب الخبرين. وأما لما ، فإنها تدل على نفي الشيء متصلا بزمان
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٩٩.