فقدم رأسها على ما تقنع ، وهو منفي بما ، وجوزوا أن تكون ما مصدرية في موضع رفع بقليلا ، أي كانوا قليلا هجوعهم ، وهو إعراب سهل حسن ، وأن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، والعائد محذوف تقديره : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) من الوقت الذي يهجعون فيه ، وفيه تكلف. ومن الليل يدل على أنهم مشغولون بالعبادة في أوقات الراحات ، وسكون الأنفس من مشاق النهار. (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، فيه ظهور على أن تهجدهم يتصل بالأسحار ، فيأخذون في الاستغفار مما يمكن أن يقع فيه تقصير وكأنهم أجرموا في تلك الليالي ، والأسحار مظنة الاستغفار. وقال ابن عمرو الضحاك : يستغفرون : يصلون. وقال الحسن : يدعون في طلب المغفرة ، والظاهر أن قيام الليل وهذا الحق في المال هو من المندوبات ، وأكثر ما تقع زيادة الثواب بفعل المندوب. وقال القاضي منذر بن سعيد : هذا الحق هو الزكاة المفروضة ، وضعف بأن السورة مكية ، وفرض الزكاة بالمدينة. وقيل : كان فرضا ، ثم نسخ وضعف بأنه تعالى لم يشرع شيئا بمكة قبل الهجرة من أخذ الأموال. والسائل : الذي يستعطي ، والمحروم : لغة الممنوع من الشيء ، قال علقمة :
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمة |
|
أنى توجه والمحروم محروم |
وأما في الآية ، فالذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه. وقيل : الذي تبعد منه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله الحرمان. وقال ابن عباس : المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم مال. وقال زيد بن أسلم : هو الذي أجيحت ثمرته. وقيل : الذي ماتت ماشيته. وقال عمر بن عبد العزيز : هو الكلب. وقيل : الذي لا ينمي له مال. وقيل : المحارف الذي لا يكاد يكسب. وقيل غير ذلك ، وكل هذه الأقوال على سبيل التمثيل لا التعيين ، ويجمعها أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه.
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) تدل على الصانع وقدرته وتدبيره من حيث هي كالبساط لما فوقها ، وفيها الفجاج للسلاك ، وهي متجزئة من سهل ووعر وبحر وبر ، وقطع متجاورات من صلبة ورخوة ومنبتة وسيخة ، وتلقح بأنواع النبات ، وفيها العيون والمعادن والدواب المنبتة في بحرها وبرها المختلفة الأشكال. وقرأ قتادة : آية على الإفراد ، (لِلْمُوقِنِينَ) : وهم الذين نظروا النظر الصحيح ، وأداهم ذلك إلى إيقان ما جاءت به الرسل ، فأيقنوا لم يدخلهم ريب. (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) حال ابتدائها وانتقالها من حال إلى حال ، وما أودع في شكل الإنسان من لطائف الحواس ، وما ترتب على العقل الذي أوتيه من بدائع العلوم وغريب الصنائع ، وغير ذلك مما لا ينحصر.