هذه الأماكن كلام. واقترانه بالطور دل على ذلك. والقسم بالسقف المرفوع لبيان رفعة البيت المعمور. انتهى. ونكر وكتاب ، لأنه شامل لكل كتاب أنزله الله شمول البدل ، ويحتمل أن يكون شمول العموم ، كقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١). وكونه في رق ، يدل على ثبوته ، وأنه لا يتخطى الرؤوس. ووصفه بمنشور يدل على وضوحه ، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه ، والمنشور يعلم ما فيه ، ولا يمنع من مطالعة ما تضمنه ؛ والواو الأولى واو القسم ، وما بعدها للعطف. والجملة المقسم عليها هي قوله : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ). وفي إضافة العذاب لقوله : (رَبِّكَ) لطيفة ، إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد. فبالإضافة إلى الرب ، وإضافته لكاف الخطاب أمان له صلىاللهعليهوسلم ؛ وإن العذاب لواقع هو بمن كذابه ، ولواقع على الشدة ، وهو أدل عليها من لكائن. ألا ترى إلى قوله : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (٢) ، وقوله : (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) (٣) ، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به؟ وعن جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب : (وَالطُّورِ) إلى (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) ، فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفا من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب. وقرأ زيد بن علي : واقع بغير لام. قال قتادة : يريد عذاب الآخرة للكفار ، أي لواقع بالكفار.
ومن غريب ما يحكى أن شخصا رأى في النوم في كفه مكتوبا خمس واوات ، فعبر له بخير ، فسأل ابن سيرين ، فقال : تهيأ لما لا يسر ، فقال له : من أين أخذت هذا؟ فقال : من قوله تعالى : (وَالطُّورِ) إلى (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) ، فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص. وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع. وقيل : هو منصوب بقوله : (لَواقِعٌ) ، وينبغي أن يكون (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول. قال ابن عباس : (تَمُورُ) : تضطرب. وقال أيضا : تشقق. وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض. وقال مجاهد : تدور. (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) ، هذا في أول الأمر ، ثم تنسف حتى تصير آخرا (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٤). (فَوَيْلٌ) : عطف على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده ، والخوض : التخبط في الباطل ، وغلب استعماله في الاندفاع في الباطل.
__________________
(١) سورة التكوير : ٨١ / ١٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ١.
(٣) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٢.
(٤) سورة القارعة : ١٠١ / ٥.