(يَوْمَ يُدَعُّونَ) ، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ويدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم وزجا في أقفيتهم. وقرأ علي وأبو رجاء والسلمي وزيد بن علي : يدعون ، بسكون الدال وفتح العين : من الدعاء ، أي يقال لهم : هلموا إلى النار ، وادخلوها (دَعًّا) : مدعوعين ، يقال لهم : (هذِهِ النَّارُ). لما قيل لهم ذلك ، وقفوا بعد ذلك على الجهتين اللتين يمكن دخول الشك في أنها النار ، وهي : إما أن يكون سحر يلبس ذات المرئي ، وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، فأمرهم بصليها على جهة التقريع. ثم قيل لهم على قطع رجائهم : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) : عذابكم حتم ، فسواء صبركم وجزعكم لا بد من جزاء أعمالكم ، قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري : (أَفَسِحْرٌ هذا) ، يعني كنتم تقولون للوحي : هذا سحر. (أَفَسِحْرٌ هذا) ، يريد : أهذا المصداق أيضا سحر؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى. (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) : كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ، يعني : أم أنتم عمي عن المخبر عنه ، كما كنتم عميا عن الخبر؟ وهذا تقريع وتهكم. فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟ قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة ، وبأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير. فأما الصبر على العذاب ، الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة ، فلا مزية له على الجزع. انتهى. وسحر : خبر مقدم ، وهذا : مبتدأ ، وسواء : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي الصبر والجزع. وقال أبو البقاء : خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وتركه سواء.
ولما ذكر حال الكفار ، ذكر حال المؤمنين ، ليقع الترهيب والترغيب ، وهو إخبار عن ما يؤول إليه حال المؤمنين ، أخبروا بذلك. ويجوز أن يكون من جملة القول للكفار ، إذ ذلك زيادة في غمهم وتنكيد لهم ، والأول أظهر. وقرأ الجمهور : فكهين ، نصبا على الحال ، والخبر في (جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ). وقرأ خالد : بالرفع على أنه خبر إن ، وفي جنات متعلق به. ومن أجاز تعداد الخبر ، أجاز أن يكونا خبرين. (وَوَقاهُمْ) معطوف على (فِي جَنَّاتٍ) ، إذ المعنى : استقروا في جنات ، أو على (آتاهُمْ) ، وما مصدرية ، أي فكهين بإيتائهم ربهم النعيم ووقايتهم عذاب الجحيم. وجوز أن تكون الواو في ووقاهم واو الحال ، ومن شرط قد في الماضي ، قال : هي هنا مضمرة ، أي وقد وقاهم. وقرأ أبو حيوة : ووقاهم ، بتشديد القاف. (كُلُوا وَاشْرَبُوا) على إضمار القول : أي يقال لهم : (هَنِيئاً).