قال الزمخشري : أكلا وشربا هنيئا ، أو طعاما وشرابا هنيئا ، وهو الذي لا تنغيص فيه. ويجوز أن يكون مثله في قوله :
هنيئا مريئا غير داء مخامر |
|
لعزة من أعراضنا ما استحلت |
أعني : صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل ، مرتفعا به ما استحلت ، كما يرتفع بالفعل ، كأنه قيل : هنا عزة المستحل من أعراضنا. وكذلك معنى هنيئا هاهنا : هنأكم الأكل والشرب ، أو هنأكم ما كنتم تعملون ، أي جزاء ما كنتم تعملون ، والباء مزيدة كما في : (كَفى بِاللهِ) ، والباء متعلقة بكلوا واشربوا ، إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. انتهى. وتقدم لنا الكلام مشبعا على (هَنِيئاً) في سورة النساء. وأما تجويزه زيادة الباء ، فليست زيادتها مقيسة في الفاعل ، إلا في فاعل كفى على خلاف فيها ؛ فتجويز زيادتها في الفاعل هنا لا يسوغ. وأما قوله : إن الباء تتعلق بكلوا واشربوا ، فلا يصح إلا على الأعمال ، فهي تتعلق بأحدهما. وانتصب (مُتَّكِئِينَ) على الحال. قال أبو البقاء : من الضمير في (كُلُوا) ، أو من الضمير في (وَوَقاهُمْ) ، أو من الضمير في (آتاهُمْ) ، أو من الضمير في (فاكِهِينَ) ، أو من الضمير في الظرف. انتهى. والظاهر أنه حال من الظرف ، وهو قوله : (فِي جَنَّاتٍ). وقرأ أبو السمال : على سرر ، بفتح الراء ، وهي لغة لكلب في المضعف ، فرارا من توالي ضمتين مع التضعيف. وقرأ عكرمة : (بِحُورٍ عِينٍ) على الإضافة.
والظاهر أن قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) مبتدأ ، وخبره (أَلْحَقْنا). وأجاز أبو البقاء أن يكون (وَالَّذِينَ) في موضع نصب على تقدير : وأكرمنا الذين آمنوا. ومعنى الآية ، قال الجمهور وابن عباس وابن جبير وغيرهما : أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يكونون في مراتب آبائهم ، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال مثلهم كرامة لآبائهم. فبإيمان متعلق بقوله : (وَأَتْبَعْناهُمْ) (١). وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقر بها عينه» ثم قرأ الآية. وقال ابن عباس والضحاك : إن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار ، وإن لم يبلغوا الإيمان بأحكام الآباء المؤمنين. انتهى. فيكون بإيمان متعلقا بألحقنا ، أي ألحقنا بسبب الإيمان الآباء بهم ذرياتهم ، وهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف ، فهم في الجنة مع آبائهم ، وإذا كان أبناء الكفار ، الذين لم يبلغوا حدّ التكليف في الجنة ، كما ثبت
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٢.