اجتزأ بالكسرة عن الياء فيه. وقد قرىء : يا حسرتا ، بالألف ، أي يا حسرتي ، ويكون من الله على سبيل الاستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ، وفرط إنكاره وتعجيبه منه. والظاهر أن العباد هم مكذبو الرسل ، تحسرت عليهم الملائكة ، قاله الضحاك. وقال الضحاك أيضا : المعنى يا حسرة الملائكة على عبادنا الرسل حتى لم ينفعهم الإيمان لهم. وقال أبو العالية : المراد بالعباد الرسل الثلاثة ، وكان هذا التحسر هو من الكفار ، حين رأوا عذاب الله تلهفوا على ما فاتهم. قال ابن عطية : وقوله (ما يَأْتِيهِمْ) الآية يدفع هذا التأويل. انتهى. قال الزجاج : الحسرة أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيرا. وقيل : المنادى محذوف ، وانتصب حسرة على المصدر ، أي يا هؤلاء تحسروا حسرة. وقيل : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، لما وثب القوم لقتله. وقيل : هو من قول الرسل الثلاثة ، قالوا ذلك حين قتلوا ذلك الرجل وجل بهم العذاب ، قالوا : يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا. انتهى. فالألف واللام للعهد إذا قلنا إن العباد المراد بهم الرسل الثلاثة أو من أرسلوا إليه وهم الهالكون بسبب كفرهم وتكذيبهم إياهم. والظاهر أنها لتعريف جنس الكفار المكذبين وتلخص أن المتحسر الملائكة أو الله تعالى أو المؤمنون أو الرسل الثلاثة أو ذلك الرجل ، أقوال.
(ما يَأْتِيهِمْ) إلى آخر الآية : تمثيل لقريش ، وهم الذين عاد عليهم الضمير في قوله (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا). قال ابن عطية : وكم هنا خبرية ، وأنهم بدل منها ، والرؤية رؤية البصر. انتهى. فهذا لا يصح ، لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب بأهلكنا ، ولا يسوغ فيها إلا ذلك. وإذا كان كذلك ، امتنع أن يكون أنهم بدل منها ، لأن البدل على نية تكرار العامل ، ولو سلطت أهلكنا على أنهم لم يصح. ألا ترى أنك لو قلت أهلكنا انتفاء رجوعهم ، أو أهلكنا كونهم لا يرجعون ، لم يكن كلاما؟ لكن ابن عطية توهم أن يروا مفعوله كم ، فتوهم أن قولهم أنهم لا يرجعون بدل ، لأنه يسوغ أن يتسلط عليه فتقول : ألم يروا أنهم لا يرجعون؟ وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية. وقال الزجاج : هو بدل من الجملة ، والمعنى : ألم يروا أن القرون التي أهلكناها إليهم لا يرجعون ، لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى النهي. وهذا الذي قاله الزجاج ليس بشيء ، لأنه ليس بدلا صناعيا ، وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صنعة النحو. وقال أبو البقاء : أنهم إليهم. انتهى ، وليس بشيء ، لأن كم ليس بمعمول ليروا. ونقل عن الفراء أنه يعمل يروا في الجملتين من غير إبدال ،