قبله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) ، لا يعارض قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) (١) ، لأن ظاهر قوله : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) ، أن النهار سابق أيضا ، فيوافق الظاهر. وفهم أبو عبد الله الرازي من قوله : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أن النهار يطلب الليل ، والليل سابقه. وفهم من قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) ، أن الليل مسبوق لا سابق ، فأورده سؤالا. وقال : كيف يكون الليل سابقا مسبوقا؟ وأجاب بأن المراد من الليل هنا سلطان الليل ، وهو القمر ، وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية السريعة. والمراد من الليل هناك نفس الليل ، وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه. انتهى. وعرض له هذا السؤال لكونه جعل الضمير الفاعل في يطلبه عائدا على النهار ، وضمير المفعول عائدا على الليل. والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل ، لأنه كان قبل دخول همزة النقل (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) (٢) ، وضمير المفعول عائد على النهار ، لأنه المفعول قبل النقل وبعده. وقرأ عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفي : سابق بغير تنوين ، النهار : بالنصب. قال المبرد : سمعته يقرأ فقلت : ما هذا؟ قال : أردت سابق النهار ، فحذفت لأنه أخف. انتهى ، وحذف التنوين فيه لالتقاء الساكنين. وتقدّم شرح : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) في سورة الأنبياء.
والظاهر من الذرية أنه يراد به الأنباء ومن نشأ منهم. وقيل : ينطلق على الآباء وعلى الأبناء ، قاله أبو عثمان. وقال ابن عطية : هذا تخليط ، ولا يعرف هذا في اللغة. انتهى. وتقدّم الكلام في الذرية في آل عمران. والظاهر أن الضمير في لهم وفي ذرياتهم عائد على شيء واحد ، فالمعنى أنه تعالى حمل ذريات هؤلاء ، وهم آباؤهم الأقدمون ، في سفينة نوح عليهالسلام ، قاله ابن عباس وجماعة. ومن مثله : للسفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة أو أريد بقوله : ذرياتهم ، حذف مضاف ، أي ذريات جنسهم ، وأريد بالذرية من لا يطيق المشي والركوب من الذرية والضعفاء. فالفلك اسم جنس من عليهم بذلك ، وكون الفلك مرادا به الجنس ، قاله ابن عباس أيضا ومجاهد والسدّي ، ومن مثله : الإبل وسائر ما يركب. وقيل : الضميران مختلفان ، أي ذرية القرون الماضية ، قاله عليّ بن سليمان ، وكان آية لهؤلاء ، إذ هم نسل تلك الذرية. وقيل : الذرية : النطف ، والفلك المشحون : بطون النساء ، ذكره الماوردي ، ونسب إلى عليّ بن أبي طالب ، وهذا لا يصح ، لأنه من
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٤.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٥٤.