عن ذلك ، إلا من أمهل حتى خطف الخطفة واسترق استراقة ، فعندها تعاجله الملائكة باتباع الشهاب الثاقب. ولا يجوز أن يكون لا يسمعون صفة ولا استئنافا جوابا لسائل سأل لم يحفظ من الشياطين ، لأن الوصف كونهم لا يسمعون ، أو الجواب لا معنى للحفظ من الشياطين على تقديرهما ، إذ يصير المعنى مع الوصف : وحفظا من كل شيطان مارد غير سامع أو مسمع ، وكذلك لا يستقيم مع كونه جوابا. وقول من قال : إن الأصل لأن لا يسمعوا ، فحذفت اللام وإن ، فارتفع الفعل ، قول متعسف يصان كلام الله عنه. وقرأ الجمهور : لا يسمعون : نفي سماعهم ، وإن كانوا يسمعون بقوله : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (١) ، وعداه بإلى لتضمنه معنى الإصغاء. وقرأ ابن عباس بخلاف عنه ؛ وابن وثاب ، وعبد الله بن مسلم ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : بشد السين والميم بمعنى لا يتسمعون ، أدغمت التاء في السين ، وتقتضي نفي التسمع. وظاهر الأحاديث أنهم يتسمعون حتى الآن ، لكنهم لا يسمعون ؛ وإن سمع أحد منهم شيئا لم يفلت حرسا وشهبا من وقت بعثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وكان الرجم في الجاهلية أحق ، فأما كانت ثمرة التسمع هو السمع ، وقد انتفى السمع بنفي التسمع في هذه القراءة لانتفاء ثمرته ، وهو السمع. و (الْمَلَإِ الْأَعْلى) يعم الملائكة ، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض. وقال ابن عباس : هم أشراف الملائكة ، وعنه كتابهم.
(وَيُقْذَفُونَ) : يرمون ويرجمون ، (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) : أي من كل جهة يصعدون إلى السماء منها ، والمرجوم بها هي التي يراها الناس تنقض ، وليست بالكواكب الجارية في السماء ، لأن تلك لا ترى حركتها ، وهذه الراجمة ترى حركتها لقربها منا ، قاله مكي والنقاش. وقرأ محبوب عن ابن عمرو : ويقذفون مبنيا للفاعل ، ودحورا مصدر في موضع الحال. قال مجاهد : مطرودين ، أو مفعول من أجله ، أي ويقذفون للطرد ، أو مصدر ليقذفون ، لأنه متضمن معنى الطرد ، أي ويدحرون من كل جانب دحورا ، ويقذفون من كل جانب قذفا. فإما أن يكون التجوز في ويقذفون ، وإما في دحورا. وقرأ عليّ ، والسلمي ، وابن أبي عبلة ، والطبراني عن رجاله عن أبي جعفر : دحورا ، بنصب الدال ، أي قذفا دحورا ، بنصب الدال. ويجوز أن يكون مصدرا ، كالقبول والولوغ ، إلا أن هذه ألفاظ ذكر أنها محصورة. والواصب : الدائم ، قاله السدّي وأبو صالح ، وتقدّم في سورة النحل.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٢.